أميركا ليست بلد الفرص والتناقضات فقط ، بل هي دولة المفاجآت السياسية أيضا، وقد كان انتخاب أوباما كأول رئيس» أسود» من أصول افريقية ، بمثابة زلزال طالت ارتداداته مختلف انحاء العالم، وتبلغ المفارقة ذروتها إذا تذكرنا أن ملايين الافارقة ، الذين كان يتم شحنهم ك»عبيد « لبناء أميركا في بداية نشوئها ، قتلوا في عرض البحر خلال عملية نقلهم بطرق بائسة ومهينة .
وجاء انتخاب أوباما ثمرة مسيرة نضال طويلة ضد ثقافة وتشريعات التمييز العنصري ، خاضها السود بقيادة رموز عديدة مثل مارتن لوثر كينغ ، والقس جيسي جاكسون ، وأسطورة الملاكمة محمد علي كلاي ، الذي أقيمت له جنازة مهيبة مؤخرا في مسقط رأسه.
واليوم نحن أمام مفاجأة أميركية جديدة ، وهي وصول أول امرأة «هيلاري كلينتون» الى مرحلة الترشح عن أحد الحزبين الكبيرين «الديمقراطي» لمنصب رئيس الجمهورية ، واذا أصبحت هيلاري «سيدة « للبيت الأبيض، فهي بالإضافة الى أنها أول امرأة تحكم أميركا، فإن ذلك سيسجل سابقة أخرى ، وهي أن «زوجين» يحكمان هذه الدولة عبر صناديق الاقتراع خلال ربع قرن ،بل لعلها حالة لم تحدث في أي دولة بالعالم حيث سبق أن حكم زوجها بيل كلينتون لولايتين رئاستين بين عامي 1992 – 1998 .
والمفارقة الأخرى التي تنفرد بها «عائلة كلينتون» ، أنها المرة الأولى التي تحدث في أميركا والعالم ،أن يحاكم رئيس دولة خلال جلوسه على كرسي الحكم بسبب فضيحة جنسية، فيما سمي «بفضيحة مونيكا « ،وبسببها قدم الرئيس الى المحاكمة عام 1998،وكان لتلك الفضيحة وقع الصدمة على هيلاري، التي قالت في مذكراتها « أن أصعب قرار في حياتي كان الاستمرار مع زوجي» .
لكن تبقى سياسة أميركا الخارجية ،هي المشكلة بالنسبة لنا نحن العرب تحديدا، بغض النظر عن سيد البيت الأبيض ، سواء كان ديمقراطيا أم جمهوريا ، أسود أم أبيض ، رجلا أم امرأة ! وأظن أنه لو جلس في البيت الأبيض رئيس من أصول عربية، فلن يستطيع إجراء تحول جوهري في السياسة الخارجية لدولة مؤسسات، هي من تطبخ السياسات وليس الادارة وحدها.
وثمة مصالح وحسابات متداخلة تؤثر في صنع السياسة الخارجية، وهناك عناصر مؤثرة في هذه السياسة إزاء القضايا العربية ، وخاصة الصراع العربي الصهيوني ، أهمها اللوبي اليهودي «منظمة إيباك» ،التي تمتلك نفوذا وتأثيرا واضحا في الاحزاب والكونغرس والمؤسسات المصرفية والاعلامية ، وتحشد التأييد والدعم لاسرائيل ، وهي الحليف الاول لواشنطن في الشرق الأوسط ، رغم أنه في حساب الأرقام والمصالح الاقتصادية والمالية والاستراتيجية ، فإن مصالح أميركا مع العرب أكبر بكثير من مصالحها مع الكيان الصهيوني، الذي يشكل « حمولة زائدة « بالنسبة للسياسة الاميركية ، من حيث الالتزام المستمر بتقديم الدعم العسكري والاقتصادي وضمان أمنها ، فالعرب يملكون الموقع الجغرافي الاستراتيجي والنفط والأسواق الكبيرة وأرصدة واستثمارات ،تقدر بتريليونات الدولارات في مصارف ومؤسسات وشركات اميركية .
لكن مشكلة العرب أنهم لا يملكون إرادة سياسية ،لتوظيف الأوراق التي بأيديهم لخدمة مصالحهم، فهم منقسمون وتحولوا الى «أضحوكة « حيث الحروب الأهلية تأكل الأخضر واليابس في العديد من الدول ، والتدخلات الخارجية في شؤونهم وصلت الى مرحلة غير مسبوقة ولم تعد القضية الفلسطينية تشكل أولوية ،حتى على صعيد اصدار البيانات والتغطية الاعلامية وهذا الحال ينعكس سلبا على الجاليات العربية في الولايات المتحدة، التي لا تجد الدعم الكافي لتنظيم صفوفها وأنشطتها للتأثير في السياسة الاميركية ، كما يفعل اللوبي اليهودي .
لذلك لا حاجة للرهان على الرئيس المقبل ، سواء كانت الديمقراطية «هيلاري « ،أو الجمهوري « ترامب « بمواقفه العنصرية المقززة إزاء المسلمين ، فالمرشح عادة يطرح شعارات انتخابية ، لأغراض إحراج الخصم وكسب اصوات الناخبين ، لكنه عندما يجلس على المكتب البيضاوي، ينظر الى الملفات التي أمامه ، بكل ما يتطلبه ذلك من حسابات ومسؤولية ! لكن يبقى دعم اسرائيل سياسة أميركية ثابتة، بغض النظر عن شخصية الرئيس وانتمائه الحزبي ، طالما استمر العرب في الحروب الأهلية .
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو