الأحد 2024-11-10 07:36 م
 

عبدالله الثاني.. نقطة الوصل بين الجهاد الأكبر والعهدة الهاشمية

11:42 ص
حين وقف جلالة الملك ليتسلم جائزة تمبلتون رفض أن يكون هذا الإنجاز إنجازاً شخصياً ينسب له، بل استفاد من وقوفه على هذا المنبر كي يضيء الأردن في عيون ومسامع الجميع، فجلالته يرى أن الأردنيين يتبنون النهج الوسطي والإحسان المتبادل، والوئام، والأخوة، وبالتالي فهو يمثل الأردنيين كلهم، وقبل الجائزة باسم الأردنيين.اضافة اعلان


كثيراً ما أردد أن الحالة الملكية الهاشمية تختلف عن غيرها من الملكيات، فهي ملكية ثورية بطبيعتها ونشأتها، تنحاز للناس، وهو ما يظهره جلالة الملك في كل خطوة يخطوها، وليس غريباً أن يكون عبدالله الثاني قائداً لمركب يسير عكس التيار السائد في منطقتنا، ففي منطقة تتقاتل على أسس طائفية ودينية وغيرها من أشكال التطرف، كان العقل والضمير الإنساني المتمثل في صوت عبدالله الثاني يرفض السير مع التيار، مع إدراكه صعوبة وصول الصوت العاقل في ظل البحر الهائج.

ولكن عزيمة عبدالله الثاني صنعت الفارق، وهو ما يؤكد مقولة كثيراً ما كنت أسمعها، ولكني كنت أشعر بمبالغة فيها، حتى جاء مليكي ليجعلها مقولة حقيقية أؤمن بها، وهي رجل واحد يمكن أن يحدث الفرق.

اليوم هناك منارة واضحة وعنوان واضح للحوار واحترام الآخر ونبذ خطاب الكراهية وهو عبدالله الثاني، حيث يملك جلالته مشروعاً عالمياً، ولكن في ذات الوقت يجب أن يكون حاضراً على المستوى الوطني وعلى المستوى الإقليمي.

ففي إطار مشروع النهضة الوطني، والذي تم اختزاله بصورة بشعة بتوفير فرص عمل لا أكثر، والتشمير عن الأذرع، كان من الأجدى أن يأخذ هذا المشروع زخمه الحقيقي كما أراده جلالة الملك، ذا بعد ثقافي ومعرفي، بحيث يكون مشروع نهضة حقيقي للمجتمع الأردني، وليتحول الأردن إلى نموذج حقيقي لما يصبو إليه جلالة الملك.

ويترتب على ذلك تطوير منظومتنا التعليمية، وكيفية التعامل مع الآخر المختلف، وكيف تدير الدولة والحكومة القضايا المتعلقة بشأن حرية المعتقد والحوار والتفكير، فرغم أن جلالة الملك أحب أن يكون الأردنيون معه على المنصة، إلا أننا نحتاج لعمل طويل كي نستطيع السير على خطى عبدالله الثاني.

على الحكومة أن تعلي تطبيق القانون في مجال حريات الرأي والمعتقد، والحق بالاختلاف، وألا تصبح أسرة بعض أصوات النشاز الناعقة، فلا نريد أن تخطف قلة منا الأردن وأن تجردنا من هوية متسامحة أورثنا إياها أجدادنا، وتعبوا كي يحققوها.

وعلى الضفة الأخرى من حديث جلالة الملك كان القدس حاضرة كما العادة، وهذه المرة حضرت بهيبتها الدينية وليست السياسية ولا الدنيوية، حضرت كما أراد لها عبدالله الثاني أن تحضر كموحدة للإنسانية وليست كأرض يتقاتل عليها الناس باسم الله.

وفي ذات الوقت ظهرت سعة مظلة الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية حين تبرع جلالة الملك بجزء من الجائزة لترميم المقدسات الإسلامية والمسيحية ومن بينها كنيسة القيامة، فكأن القدس تدخل في زمن عهدة عبدلية، وتحظى المقدسات على اختلاف تسمياتها بحنو مليك مؤتمن قدير.

الدرس الهاشمي لمن يريدون أن ينقلب الإنسان على أخيه الإنسان جاء بكلمتين (الجهاد الأكبر)، وفيهما كل المعنى والعظة، ففي ظل منطقة يسودها غوغاء الجهل ويستبد بها التعصب الأعمى، يصبح المرء المريد الابتعاد عن كل هذه الكراهية وهذا الموت المجاني مجاهداً أكبر، لأنه ينأى بنفسه عن هذا الصراع الدموي القائم على رفض وكره الآخر.

واستطاع عبدالله الثاني أن يكون جاهداً أكبر، وأن يبقى محافظاً على بصيرة نقية وإنسانية تقوده للاتجاه الصحيح رغم كل مشاعر وخطابات الكراهية التي تملأ الفضاء العمومي في المنطقة، وبدأت تتسرب للأردن عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

من السهل السير متزناً على أرض مستوية، ولكن ليس من السهل السير متزناً على حبل رفيع في محيط ملتهب، ولكن عبدالله الثاني سار على هذا الحبل الرفيع في محيط ملتهب وكأنه يسير على أرض مستوية، وهو ما يظهر جوهر عبدالله الثاني الذي لا يخفيه علو صوت الخوارج، أو نار تندلع بالقرب منه، فثقته بخالقه أكبر من ذلك وإيمانه بإنسانيته التي وهبها الله له لا حدود لها.
 
gnews

أحدث الأخبار



 


الأكثر مشاهدة