الأحد 2024-09-22 04:35 م
 
 

مدير الأصنام والإله والم

09:01 ص

كل الجرائم البشعة التي يرتكبها التنظيم الظلامي 'داعش'، ما تزال غير قادرة على إزاحة الغشاوة عن عيوننا. فما نزال نبحث في التاريخ والسير المتعبة من التأويل، وفي التفاسير وحتى كتب التعاويذ، عما يبرر هذه الهمجية المتأخرة التي تقتلعنا من الجغرافيا والحضارة، وتقتلع منا الضمير.اضافة اعلان

تبدأ الدراما السوداء المفجعة في تدمر نهاية حزيران (يونيو) الماضي، بعد نحو شهر من سيطرة 'داعش' على هذه المدينة؛ حينما أقدم التنظيم على تدمير الإله العربي القديم 'اللات'، الذي يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد؛ أي إلى ما قبل التدمريين. ويجسد التمثال المنحوت على شكل أسد، قطعة فريدة تزن قرابة 15 طنا، وبارتفاع أكثر من ثلاثة أمتار.
يستمر هذا النوع من الجرائم بما أقدم عليه 'داعش' قبل أقل من أسبوعين؛ بقتل عالم الآثار السوري الدكتور خالد الأسعد (82 سنة) ذبحا. فالعالم الذي قضى أكثر من خمسين عاما في خدمة آثار تدمر، يذبح وتعلق جثته على عمود وسط ما تبقى من آثار الحضارة التدمرية العريقة. ومن المفارقات أن العالم الذي ترك خلفة نحو 40 مؤلفا، لم يسلم لا من سيوف 'داعش' ولا من نيران النظام السوري؛ إذ تحدثت أنباء عن أن منزله قصف قبل ثلاثة أيام من حادثة مقتله، ليذبح بعد ذلك بسيوف 'داعش' بتهمة أنه عمل مديرا للأصنام!
وتُستكمل هذه الدراما السوداء الأسبوع الماضي بتدمير معبد بعل شمين. وهو المعبد التدمري الوحيد الباقي على حاله منذ القرن الأول الميلادي، وقيمته الحضارية لا تقدر بثمن. والإله بعل شمين هو سيد السموات وإله الخصب والمطر في تدمر القديمة.
علينا أن نلاحظ كيف يتعمد هذا التنظيم تدمير آثار الحضارات الأصيلة في المنطقة العربية؛ يفعل ذلك في آثار الحضارات العراقية القديمة، وفي سورية، كما في ليبيا أيضا. ولا أدري ما الفتح العظيم الذي جاء به هؤلاء الظلاميون بتدمير رموز الحضارة الإنسانية، وإفراغ الشرق القديم من كل رموزه!
من أكثر ضحايا التحولات التي يشهدها العالم العربي، وأقاليم أخرى في العالم الإسلامي، استهداف التراث الثقافي والتاريخي. والمفجع أن الحركات الإسلامية هي الأكثر تورطا في حرق وتدمير هذا التراث، نتيجة أعمال العنف، أو نتيجة معتقدات ومواقف دينية متشددة، برزت على شكل فتاوى دينية متطرفة تربط الآثار بعبادة الأوثان. ولعل ما حدث قبل سنوات في أفغانستان، ثم في إقليم تمبكتو في مالي، ليسا إلا مثالين مؤلمين على هذا الاستهداف الذي يستكمله 'داعش' اليوم في سورية والعراق وليبيا. وما يضيف المزيد من السخط، أن هذا التخريب والتدمير يمران ببرود ومن دون إدانة حقيقية وصارمة، ومن دون أن يكتشف الناس من هم الذين يعودون بهذا الشرق المعذب بالفعل إلى عصور عبادة الأوثان.
لا نستغرب أن يكون تدمير آثار تدمر مجرد خبر عاجل في دورة الأخبار الكسولة التي تم تطبيع الناس والحكومات عليها، بعد أن أصبح نحو ربع آثار الحضارة الإنسانية تحت سيطرة هذه التنظيم.
الخبرات القاسية في عداء 'داعش' للحضارة الإنسانية وتراثها، غير قابلة للمراوحة والانتظار. فما حدث قبل أسابيع وأشهر مع الآثار العراقية، يعد طعنة قاسية في الضمير الثقافي للإنسانية؛ فمشاهد المطارق الثقيلة وهي تهوي على رموز واحدة من أقدم وأرقى الحضارات الإنسانية، ستبقى ذكرى مخجلة في ذاكرة الأجيال، ذلك أن كل الشعوب تتقاتل وتسيل منها دماء كثيرة، لكنها نادرا ما تقتلع جذورها بهذا الشكل المفجع. ما حدث بالفعل أكثر من مأساة ثقافية، بل هو كارثة ثقافية.


 
gnews

أحدث الأخبار



 


الأكثر مشاهدة