الأحد 2024-12-15 15:18 م

أخيرا سنخرج من العتمة

08:55 ص

بقرارها إجراء التعداد السكاني نهاية هذا الشهر، تقدم حكومة د.عبدالله النسور خدمة جليلة للبلاد، هي في أمس الحاجة إليها.

في السنوات القليلة الماضية، شهدت المملكة تحولات ديموغرافية عصفت بتركيبتها السكانية. ورغم المحاولات الجادة لفهم تضاريس الخريطة الجديدة للسكان وخصائصها، إلا أن أجهزة الدولة لم تتمكن، بفعل التغيرات المتسارعة وتضارب التقديرات الرقمية، من الوصول إلى تصور دقيق لحجم التحولات في البنية الاجتماعية والاقتصادية؛ فظلت الخريطة مبهمة ومشوشة.
مر على آخر تعداد سكاني عشر سنوات، حصلت خلالها تغيرات طبيعية وطارئة على تركيبة المجتمع، والنشاط السكاني بمختلف أوجهه. وظلت مؤسسات ووزارات الدولة تعتمد في خططها وبرامجها وقراراتها على أرقام وإحصاءات قديمة تجاوزها الزمن.
ولتعويض النقص الحاد في هذا المجال، كان بعض دوائر الحكومة يلجأ إلى المسوحات القطاعية والموقعية لتحديد الطبيعة السكانية لبعض المناطق المستهدفة بمشاريع التنمية. لكن مثل هذا الجهد لم يكن ليعوض التعداد العام للسكان، والمسح الشامل للمناطق وخصائصها السكانية والطبقية، وأوضاعها الاقتصادية.
ومع مرور الوقت، وغياب المعلومة الإحصائية الدقيقة، بدا وكأننا مثل شخص يسير في العتمة، لا يعلم أين يضع قدميه، ولا يدرك أثر خطاه. في الواقع، كنا نخطط في العتمة، وننفذ الخطط في العتمة أيضا، ولا نستطيع أن نقيس الأثر المتحقق لأننا وسط عتمة معلوماتية.
وإذا ما دققنا في أسباب الفشل الذي لازم بعض برامج التنمية، فسنجد غياب المعلومة الإحصائية في مقدمتها. ففي حالات عديدة، اعتمدنا نمطا تنمويا لا يتوافق إطلاقا مع طبيعة وخبرات المجتمعات المحلية، ولا يراعي ميولها في العمل.
ومع التحولات الأخيرة في التركيبة السكانية، بتنا عاجزين عن تمييز أعداد المقيمين من غير المواطنين في البلاد، ولا حجم الأردنيين المغتربين في الخارج. لدينا أرقام وإحصاءات، هذا صحيح. لكن التقديرات متضاربة بشكل كبير، ناهيك عن افتقارنا لأرقام موثوقة حول معدلات البطالة وحجم سوق العمل، وتعداد العمالة الوافدة؛ القانونية وغير القانونية.
وزاد الحضور الكثيف للاجئين السوريين من صعوبة الوضع، مما أفقدنا القدرة على تحديد حجم المخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الفوضى السكانية القائمة.
إن كل وزارة ومؤسسة ودائرة وبلدية ومحافظة في المملكة، معنية بنتائج التعداد السكاني بوصفه دليل العمل، والذي من دونه لا تستطيع أن تخطو خطوة واحدة للأمام.
وعلى المستوى الاستراتيجي، فإن الدولة، وبعد عقد من الزمن، بحاجة لمعرفة هوية سكانها؛ مواطنين ومقيمين ولاجئين، فتلك المعرفة هي مفتاح العلاقة معهم، والجهل بأصولها يجعل الجميع في حالة ارتياب.
أعتقد أن نتائج التعداد ستكون مثيرة للغاية، وستقلب الكثير من التوقعات عن أحوال المجتمع، وتركيبته، وخصائصه الاقتصادية والاجتماعية. وإذا ما تعاملت الجهات الرسمية مع النتائج بمسؤولية وجدية، فإن سياسات الدولة على مختلف المستويات ستشهد تغييرات جذرية.
والمهم في هذا الصدد ليس الأرقام والنسب بحد ذاتها، بل قراءتها وتحليلها، بما يسهم في اشتقاق سياسات جديدة تستجيب للمتغيرات، وتواكب حركة المجتمع وطبيعته.
نتائج التعداد السكاني هي بمثابة دستور لكل مسؤول، ينبغي أن يحمله في جيبه للاسترشاد قبل اتخاذ أي قرار.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة