الأربعاء 2024-11-27 23:29 م

"أنا أيضا"!

07:36 ص

جرئية جدا الحملة التي تشارك فيها فتيات وسيدات، من دول العالم، يتحدثن فيها عن تجاربهن التعيسة مع التحرش!



لم يكن بالإمكان قبل انتشار وسائل التواصل، أن يصبح الأمر متاحا، وليس سهلا كما يرى البعض، بالنسبة للنساء في العالم ليخرجن من داخلهن هذا الكم الرهيب من الغضب والحزن والشفقة على أنفسهن، خصوصا وأن قضية التحرش الجسدي واللفظي الإيحائي، لم تتوقف منذ بدء البشرية حتى يومنا هذا. وكيف لها أن تتوقف إن لم ينتج لأجلها قوانين رادعة جادة وحادة، تدين المتحرش فعلا وقولا وتزجه في غياهب السجون كعقاب مستحق، وفي نفس الوقت تحمي المرأة صاحبة الدعوى من ردود فعل المجتمع، خصوصا في الأوساط التي لا تتقبل الدخول في هكذا سكك، درءا 'للفضحية'، التي ارتكبت ضد بناتها وليس العكس، على اعتبار أن الاحتمال الثاني يستطيع المجتمع أن يتدبر أمره فيه، وعلى طريقته الخاصة !


تجارب واقعية من أكثر القصص وجعا ترويها صاحباتها منذ شهر وأكثر، عبر وسائل الإعلام والتواصل، بأسمائهن الصريحة وأخرى مستعارة، تتشابك فيها التفاصيل بشكل يدعو للحيرة، عن كيفية انتشار وسائل التحرش اللفظي والجسدي، وتدرج نموه و'تطوره' حتى يبلغ منتهاه، في دول منشرة حول العالم، ومنها العربية بطبيعة الحال، وكأن المتحرش أينما كان ووجد هو ذاته في كل مكان.


وعلى الرغم من أن القصص المنشورة والمسموعة، تختلف في شكل البدايات والنهايات، إنما المؤلم جدا، أن غالبيتها اشتركت في حقيقة واحدة؛ التجربة الأولى مع الفتاة، لم تعرف وقتها أنها تحرش، لأنها باختصار كانت صغيرة على المعرفة، وإنما ليست صغيرة على التجربة، من وجهة نظر الذئاب البشرية.


كلهن ممن قرأت عن تجاربهن، وتتبعت قصصهن عبر البرامج الإذاعية، ومعروف أن البرامج الإذاعية تحديدا نجحت في إثارة الموضوع، كن يتحدثن عن أنهن لم يدركن أن الذي يحصل معهن وهن في سنوات أعمارهن الصغيرة، يدعى تحرشا. خاصة وأن المتهمين بالفعل كانوا في كثير من الأوقات من المقربين والجيران وأصحاب الدكانين الكبار في العمر، والمعلمين وغيرهم ممن يفترض فيهم الثقة والأمان.


هذه التفصيلة بالذات تعود بنا إلى قضية تعليم الأطفال درس 'التربية الجنسية' في سنوات العمر الأولى في البيت والمدرسة، والجدال الواسع بشأنها. رغم أن الموضوع يمكن ألا يتعدي حدود التعريف بمناطق الخطر التي لا يجوز لمسها من قبل أي كان، والتعريف بمخاطر السكوت على الأفعال المريبة أو الخوف من البوح.


من ناحية أخرى، وفي إحصائية سريعة للروايات العجيبة التي رويت بخصوص التحرش، تأتي في المرتبة الأولى تجارب ركوب وسائل المواصلات الجماعية، ومشاهد مكررة محزنة لطرق ووسائل التعدى على أجساد النساء الصغيرات والكبيرات، المحجبات وغير المحجبات، الفتيات والسيدات والحوامل حتى، تعرضت لها ولا تزال فئة ليست قليلة من الشاهدات على القضية. تليها على الفور التلميحات المباشرة وغير المباشرة من أرباب العمل أو الزبائن، الذين لا يوفرون فرصة ذهبية في استغلال حاجة الفتاة للعمل لجلب قوتها وقوت أسرتها، أو حين تصل إلى أذن الواحد فيهم معلومة أنها تحتاج العمل لظروف قاهرة؛ دراسة جامعية أو علاج أبويها مثلا، أو حين يكون في يد رجل ما بلا أخلاق، مصير طموح كبير في الترقي والحصول على فرصة مشروعة لإحداهن في التزكيات أو الترقية، ضمن مسارات رسمية وغير رسمية، إدارية وأكاديمية وإبداعية.


كثيرة هي العوامل والظروف التي وضعت فيها نساء في مجتمعاتنا، يتعرضن على إثرها للتحرش القذر من قبل أصحاب النفوس المريضة، سواء الظاهر عليهم هذا المرض أو يتخفون خلف أقنعة الأخلاق والقيم والأدب. وحملة 'أنا أيضا' جاءت في وقت مناسب جدا، ربما لتكون دواء هو بداية العلاج ومن ثم التعافي من تلك الجريمة. إنها حملة قانونية واجتماعية وإعلامية وتربوية، أرى أن خير ما فيها هو تحرر النساء من الغضب الكامن في قلوبهن منذ سنوات، وإزالة حاجز الخوف من ردة الفعل.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة