الأحد 2024-12-15 17:28 م

أوروبا الفقيرة من أين سَتَأكُل ؟

03:13 م

منطقيا لن يعنينا الفقر في أوروبا إلا بقدر ما عنى أوروبا الفقر لدينا، أما واقعيا فإن ما كشف عنه مؤخرا من مستويات الفقر المتوقعة في القارة العجوز يمكن أن يثير قلق دول الشرق الأوسط والغنية منها بشكل خاص. لماذا؟ لأن أوروبا قد عودتنا منذ فجر التاريخ أن تحاول ملء جيبها من خزائننا ولو بالقوة العسكرية. وقد تكون أكثر خبثا وذكاء في تحقيق ذلك من حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية.

وكالة الإحصاءات الأوروبية يوروستات، نشرت هذا الأسبوع أرقاما تقول إن ربع سكان القارة الأوروبية (4 و24) سيكونون مهددين بالفقر عام 2011 مقارنة بـ 4 و23 لعام 2010 ، مما يترجم تفصيلا بنقص الغذاء ونقص المأوى وعدم التمكن من دفع فواتيره للإنارة والتدفئة والخدمة المنزلية، إن وجد. والملاحظ أن الزيادة بنسبة واحد في المئة خلال عام واحد هي مؤشر على ارتفاع هذه النسبة خلال الأعوام القادمة إذا لم تحل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها القارة.
وإذا كانت هذه النسب تتركز في دول أوروبا الشرقية، فإنها لا توفر أوروبا الغربية ودول غربي المتوسط. مما جعل الجدل القائم حول ميزانية الاتحاد لمرحلة 2014 -2020 يدور حول المساعدات الغذائية وما إذا كانت ستقرر في إطار أوروبي أم أنه سيترك لكل دولة أن تتخذ قرارها بشأنها على حدة.
غير أن ثمة قرارا آخر هو ما يجب أن يقلقنا في هذه المنطقة من العالم، ألا وهو القرار السياسي – الاقتصادي- العسكري، المتعلق بالدول العربية الثرية أو التي تقف على عتبة الثراء. وإذ نقول على عتبة الثراء فإنما نعني دول المتوسط العربي التي تقف على عتبة نادي الطاقة عبر اكتشاف الغاز الغني على شواطئها، بحيث إن بعضها باشر عمليات التنقيب، كلبنان، وبعضها الآخر يتهيأ له متى أزيلت المعـــوقات، كــــسورية وفلســـــطين، على شاطئ غزة، لأن غاز الجزء الآخــــــر من فلسطين هو بيد إسرائيل وقــــد باشرت باستخراجه.
وهنا أذكر أنني فوجئت عندما زرت المجموعة الأوروبية في بروكسل للمرة الأولى بأن العراق ملحق بدائرة دول الخليج ، لا بدائرة الدول العربية، وعندما سألت المسؤول عن الدائرة أسرّ لي بأن السبب الأساسي هو النفط، رغم أن التبرير المعلن هو البعد الجغرافي. إذا هو تصنيف بين غني وفقير. ومن هنا فإن دول بلاد الشام، مرشحة لأن تصبح دول إنتاج طاقة، وبالتالي دولا غنية، وكما كانت العين على ثروة الخليج العربي، فإن العين لن تبتعد عن ثروة المتوسط.
توثب جشع تجلى أولا في المسألة الليبية، حيث لم تتدخل أوروبا لتخليص ليبيا من ديكتاتور ظلامي، بل إنها تدخلت وعينها وقلبها على مليارات القذافي ومخزون النفط والغاز، واشترطت على المجلس الانتقالي توقيع الاتفاقيات المتعلقة بذلك قبل المبادرة إلى أية خطوة على طريق التدخل.
والآن، لا يمكن لأي تحليل للمسألة السورية أو لما يجري في غزة ( خاصة العلاقة مع قطر) وفي مصر وفي لبنان إلا بالعودة إلى خريطة الغاز والخطط المستقبلية المتعلقة به، وصراع الدول والشركات عليه. كما لا يمكن أن تفهم القضية الإيرانية، والعلاقة التركية- الروسية إلا في هذا الإطار.
إذا ، كان لنا في المشرق العربي عموما، وفي بلاد الشام خصوصا، من موقعنا لعنة تاريخية - جغرافية جعلتنا على مدى التاريخ هدفا لكل حروب الاستعمار، وستضاف إلى هذه اللعنة لعنة أخرى جديدة هي لعنة الجيولوجيا، لعنة ما في باطن أرضنا وبحرنا، خاصة أن القارة التي تقابلنا على الضفة الأخرى لهذا البحر قارة مهددة بالجوع ، قارة تاريخها هو الاستعمار ونهب الشعوب، قارة لا تعتبر ثقافتها أننا بشر يستحقون الحياة الكريمة منذ أطلق علينا ارسطو اسم البرابرة، وقال عنا فلاسفة الرومان إننا نلتقط الطعام من الأرض بأفواهنا كما الحيوانات. مع فارق جديد، هو أن أوروبا الاستعمار القديم كانت تأتي إلينا بجيوشها، لكنها هذه المرة اكتشفت أسلوبا جديدا أقل كلفة وأسرع تدميرا، ألا وهو قتل بعضنا بيد بعضنا الآخر، وتمويل هذا القتل من المال العربي .


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة