الوكيل - تأتي نتائج الاستطلاع من مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية لتؤكد ان حكومة رئيس الوزراء الحالي عبد الله النسور تواجه ازمة شعبية بسبب اجراءاتها الاقتصادية القاسية حيث تبين ان أقل من ثلث الشعب (29′) لديه ثقة بان الحكومة تسير في الاتجاه الصحيح.
ولكن دعنا نقلب هذا الرقم… ثلثا الشعب الاردني لا توجد عنده قناعة بالمسار الحكومي، حسب نتائج الدراسة، وهؤلاء يشكلون كتلة شعبية واحدة متوافقة في استيائها من اداء الحكومة؟ وغير المعلن في هذا الرقم ان ‘اداء الحكومة’ في ذهنية الشعب لا تتوقف على موقفهم من الدكتور النسور بل تتخطى ذلك وتشمل ‘أداء الحكومة’ كطرف من اطراف الدولة التي تشمل السلطة التنفيذية والتشريعية والامنية ومؤسسة الديوان الملكي.
في حوار مع ‘القدس العربي’ اشار الدكتور موسى شتيوي مدير المركز ورئيس فريق البحث لهذه الدراسة الى ان هذه النتائج تؤكد ان اجندة الشعب الاردني مرتبطة بالأداء الأقتصادي وان محاسبة رئيس الحكومة لم تكن على ادائه السياسي حيث ان النسور اختار ان يعالج الوضع الاقتصادي بصرامة واصرار مع التخلي ‘المرحلي’ عن المشروع الاصلاحي السياسي.
‘القرارات الاقتصادية الصعبة جاءت كجزء رئيسي من مخطط تبناه النسور كأولوية لإخراج الاردن من ازمة اقتصادية خانقة كانت تهدد استقرار البلد’ وهذا الاستنتاج الذي توصل اليه الدكتور شتيوي هو بلا شك الاوضح في دراسة كمًية تعنى بالدرجة الاولى باستطلاع الرأي والتوصل الى نسب مقربة لشعبية الرئيس مع تسجيل سريع للمسببات مثل الوضع الاقتصادي العام والأوضاع المعيشية للمواطن الاردني.
ولكن هذا الاستنتاج ايضا، بالأخص عند التروي وبعد استيعاب فداحة وأهمية نتيجته بالنسبة لاستراتيجيي سياسات الامن والاستقرار في الاردن، يفتح المجال للتساؤل عما اذا كانت الدراسة تحتاج ايضا الى بحث نوعي لتمحيص مسببات عدم الرضا وربط هذه المؤشرات بعوامل فرعية وربما حتى خفية وغير واضحة لا يمكن التوصل اليها بسهولة من خلال استطلاع كمي بحت، مع التأكيد على علمية هذه الدراسة وصلاحيتها وصلاحية نتائجها خصوصا وأنها تتبع سلسلة من الدراسات المماثلة والتي يقوم بها المركز بشكل دوري وعلى مدى سنوات طويلة.
الموضوع المقلق بالدرجة الاولى ان الحكومة والبرلمان والديوان (ولا نعلم ما فعلت المؤسسة الأمنية)، لم تهرع لتمحيص هذه النتائج والتحرك لمعالجة الرسائل التي ترسلها هذه الدراسة الموثقة والتي تؤكد ان ثلثي الشعب الاردني متوافق كليا على عدم الرضا، مما يعني بالقياس التحليلي، انه توجد في الاردن اليوم معارضة شعبية ‘حاضرة’ قادرة على التجمع تحت راية مطلبية واحدة و’ان تحركت’ فهذه المعارضة قادرة على هدم ما بنته الدولة الاردنية من استقرار سياسي خلال سنين ‘الربيع العربي’.
ولنعد دقيقة واحدة الى النتائج المعلنة، 29′ من من الشعب الاردني يؤمن أن الحكومة الاردنية تسير بالاتجاه الصحيح والباقي، في معظمه، متذمر وغير راض عن وضعه المعيشي ويلوم رئيس الحكومة بسبب الاجراءات الاقتصادية التي انتهجها. ويعتقد الدكتور شتيوي أن الحكم على النسور كان بمجمله ردا على هذه الاجراءات ‘ولم يكن هناك اي شيء اخر يشفع له’.
وهنا طبعا يعني حسب شتيوي البعد السياسي من عمل الحكومة أو بالأحرى مشروع الاصلاح السياسي المرتقب خصوصا ان حكومة النسور اتت في اعقاب انتخابات نيابية كان من المتوقع ان تمهد لمشروع سياسي اصلاحي في الاردن، ولكن ما حصل بالفعل هو تراجح وحتى فقدان هذا المشروع وفي رأي شتيوي ‘في الحقيقة ما حصل هو شبه تراجع عن الإصلاح السياسي ولذلك لم يكن هذا البعد من العوامل المؤثرة ايجابيا في تقييم شعبية النسور’.
والتحليل الحقيقي لدلالات الدراسة لا بد ان ينظر الى قيمة نتائج الاستطلاع في هذه المرحلة بالذات في الاردن وعلى خلفية تراجع الحكومة عن السير في مشروع الاصلاح السياسي وخاصة ان هذه الحكومة اتت بعد انتخابات برلمانية كان من المفروض ان تكون قد فتحت الأبواب للتشارك الفعلي بين السلطة التشريعية والتنفيذية وتوزيع المسؤوليات وتحديد المسارات المتتالية او المشتركة لتسيير امور الدولة، واتت هذه الحكومة ايضا في ظل ازمة اقليمية سياسية ناتجة عن تحولات الربيع العربي وتهديد امني من الحدود السورية، كما أنها أتت ايضا بموازاة علاقة متأزمة بين المد الاسلامي والنخب الحاكمة في الدول العربية المجاورة والصديقة ترمي بظلالها بالضرورة على علاقة الدولة الأردنية بحليفها التقليدي، جماعة الأخوان المسلمين في الاردن، وتتطلب ادارة سياسية واعية وذات صلاحيات.
كون الدراسة لا تعطي اي دلالات واضحة حول رأي الشعب لكل هذه المكونات السياسية، في رأي القائمين على الدراسة، أو لنكن اكثر دقة، كون الدراسة تؤكد اتجاه الشعب الاردني نحو تقييم الأداء الحكومي فقط من منظور اقتصادي يؤكد على تحول مهم في الذهنية الاردنية نحو دور الحكومة الفعلي وبالتالي يعطي مسببات تقييم الشعب لتلك الحكومة من خلال منظور واحد مبني فقط على تقييم هذا الدور.
لا شك بان الديوان الملكي، ومن خلاله وزارة الخارجية الاردنية والتي يعرف الجميع في الاردن انها تعمل بالتنسيق مع الديوان وليس مع الحكومة او رئيسها بالضرورة، قد نجح في في قيادة الدولة وانقاذها من ‘مأزق’ الازمة السورية وتجنب ما يعتبر ‘الخطر الاكبر’ وهو امكانية التدخل العسكري الامريكي في سورية و’جر’ الاردن الى مواجهة عسكرية مع نظام بشار الاسد خصوصا انه ‘مع انتهاء احتمالية الضربة الامريكية لسورية اصبح للاردن مزيد من المساحة للتنفس′ يقول الدكتور شتيوي.
ولكن عدم ربط هذا التطور ‘الايجابي’ السياسي بمعدل الرضا الشعبي عن الحكومة يدل ان الاستقرار السياسي المرتبط بمعالجة تطورات الربيع العربي، اذا اضفنا اليه معالجة العلاقة مع الاخوان المسلمين في ألاردن في اعقاب استعادة العسكر للحكم في مصر، اصبح مرة اخرى من صلاحيات الديوان الملكي بقيادة الملك عبد الله ومستشاريه، على رأسهم وزير الخارجية ناصر جودة، وغير مرتبط في الذهنية الشعبية بأداء أو دور الحكومة أو رئيسها بشكل واضح. أما بالنسبة للبعد السياسي الداخلي فهنا ايضا نجد انه بتخلي النسور عن دور حكومته عن مشروع الاصلاح السياسي فقد افسح المجال لخلق ذهنية تفصل أي تطور في هذا المجال عن صلاحيات هذه الحكومة وربما اصبح ايضا مرتبط بشكل اساسي بمؤسسة الديوان الملكي والتي بيدها الان القرار السياسي الاول بمواصلة مشوار الاصلاح السياسي او بتأجيله حسب ظروف واستحقاقات المرحلة من الاعتبارات الأمنية.
وهنا ربما تكون المفارقة والتضارب في هذه الدراسة التي تبدو في ظاهرها انها استطلاع لقياس شعبية حكومة ما، ولكن نتائجها تدل وبكل وضوح على تراجع في الاصلاح السياسي على الاقل من ايام ‘الولاية العلامة’ التي كان يطالب بها رئيس الحكومة السابق عون الخصاونة، أو حوارات الحكومة البرلمانية، أو حتى أيام الحوار الوطني والتعديلات الدستورية والتي كانت تعطي الامل بظهور، حتى لو تدريجيا، حكومات مبنية على اسس سياسية وصاحبة قرار سياسي، مع الاعتراف بدور البرلمان السلبي في فشل هذا الاتجاه او التشكيك بامكانية حصوله.
إذن يمكن القول إن الاستياء الشعبي، مع كون ظاهره اقتصاديا، فهو في مضمونه سياسي بإمتياز. وان ما نراه اليوم من تذمر وعدم رضا يعود ايضا الى حقيقة ان القرار السياسي الاردني، سواء على المستوى الدولي او الاقليمي او حتى داخليا، قد عاد كليا الى دائرة الديوان الملكي، بينما لم يبق للرئيس النسور، والذي قام بواجبه كرئيس للسلطة التنفيذية في ادارة الدولة وانقاذها من ‘ازمة اقتصادية خانقة وخطرة’ (ويشفع له شتيوي بالتأكيد على نجاح استراتيجيته الاقتصادية مع ان انعكاساتها على المدى القصير كانت سلبية واثرت على شعبية حكومته) سوى المسؤولية عن الضائقة الأقتصادية والتي ارتبطت به شخصيا من خلال قرارات حكومته.
وربما الاستنتاج الذي يجب التوصل له من قراءة نتائج هذا الاستطلاع ان الباطن اقوى من الظاهر، وأن اسباب هبوط شعبية حكومة النسور ليست اقتصادية ومعيشية فقط بل هي مؤشر واضح على عدم قبول الشعب الاردني لحكومة فقدت القدرة على الحفاظ على دور سياسي فعال للحكومة مما نتج عنه الشعور العام بأن رئيس الحكومة الأردنية اصبح فقط مديرا عاما اداريا، بدلا من السياسي التنفيذي الاول في الاردن وهو الدور الذي كان يتمناه الشعب للسلطة التنفيذية في عهد الدمقرطة الجديد.
القدس العربي
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو