السبت 2024-12-14 10:28 ص

استطلاعات

01:22 م




اعتقد ان لاستطلاعات مراكز الدراسات في بلادنا اثراً كبيراً في التباس الوعي السياسي واضطرابه. وأن ثمة مسافة شاسعة بين ما تنتهي اليه وبين واقع المجتمع الذي تريد توصيفه وتعريفه وتحليل ظواهره.


ويزيد هذه المسألة وضوحاً أن ننظر في طبيعة الاسئلة التي تتضمنها هذه الاستطلاعات وفي الدائرة الضيقة لاحتمالات الاجابة عليها. وفي كونها «مترجمة» عن استطلاعات كتبت لمجتمعات مختلفة, ولبنى نفسية مختلفة تبعاً لذلك.

ان افتراض خيارات محددة للاجابة لا يكون الا في مجتمع لا يتورع ابناؤه عن ابداء ارائهم من اقرب سبيل وفق ما يعتقدون, او لا يحول بينهم وبين التصريح بما يرون حائل. ولا يكون للترغيب والترهيب اثر متقادم في نفوسهم.

اما في المجتمعات التي رزحت (او ترزح) تحت طبائع الاستبداد فإن حقيقة ما يراه افرادها متوارية في الاعماق البعيدة من الشعور, وهي تملك تقنيات في الكناية والتورية والكمون والتجلي تغدو معها اسئلة الاستطلاعات المترجمة بالغة السذاجة والتسطيح.

إن من يتعامل مع بالون منفوخ واضح المعالم، يملك تحديد حجمه ولونه مختلف اشد الاختلاف مع من يتعامل مع كرة مصمَتَةٍ من ذوات الجلود السبعة، ومن تخفى عليه هذه المفارقة فما هو سطحية التفكير ببعيد.

ثم ان في طيف الاجابات الذي تعتمده الاستطلاعات (التي نُصِر على انها مترجمة في غالبها) والذي تحدده مثلا خيارات مثل (اوافق، اوافق بشدة، لا اوافق، لا اوافق بشدة، لا رأي لي.. وما شابه ذلك) ما يبعث على الضحك احيانا، وذلك لما يفترضه من سذاجة وقصور نظر في جمهور الاستطلاع.

وما نحن في حاجة الى التدليل على اخفاق مثل هذه الطريقة في سبر الواقع واستخلاص الآراء فهي ظاهرة الفشل مكشوفة عناصره واسبابه.

وحتى يكون لنا منهجنا الخاص في الاستطلاع ويكون لنا انموذجاتنا التي توائم واقعنا فيه، واسئلتنا المختلفة التي نستنطق بها هذا الواقع، فإن بنا ان نعمد الى الدراسة العيانية المباشرة للظواهر، وان نقف مليا ازاءها وان لا نركن بحال الى هذه الانماط «المترجمة» من الاستطلاعات.

ومن سلك الجدَدَ أمِنَ العثار.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة