الأحد 2024-12-15 16:18 م

الأجواء مقلقة للجميع

01:31 م





بحسب آخر الأنباء، غادرت بعثة صندوق النقد الدولي، برئاسة مارتن سوريسولا، المملكة يوم الخميس الماضي، من دون توقيع الاتفاق النهائي مع الحكومة على برنامج التسهيل الائتماني الممدد.



التغير الواضح أنه تم الاتفاق على جعل مدة البرنامج ثلاث سنوات من تاريخ توقيع الاتفاق، وليس أربعة أعوام، كما كان معلوما سابقا.


لكن المغادرة مؤقتة. فلا يعني ذلك أن الحكومة سترفض التوقيع؛ وذلك بحكم الحاجة الماسّة محليا للحصول على الضمانات من 'الصندوق'، أقله للاقتراض الذي لا يتوقع أن يزيد على المليار دولار، مع ما لذلك من انعكاسات واضحة على حجم المديونية، التي يطالب 'الصندوق' بتخفيضها من نسبة 93 % من الناتج المحلي الإجمالي المقدر بـ27 مليار دينار، إلى نسبة 83 %.


خلال وجودها في المملكة، عقدت البعثة العديد من الاجتماعات مع مسؤولين محليين، منهم محافظ البنك المركزي د. زياد فريز، ووزير المالية عمر ملحس. كما عقد المسؤولون الأردنيون اجتماعات منفصلة بعيدا عن 'الصندوق'، لبحث التفاصيل، كان آخرها اجتماع عقد في رئاسة الوزراء قبل أداء الحكومة الحالية اليمين الدستورية، حضره رئيس الوزراء د. هاني الملقي ومحافظ 'المركزي' ووزير المالية.


حسبما ينقل، لم تكن المفاوضات مع البعثة الدولية سهلة، ولم يكن المسؤولون الأردنيون مستسلمين لرغبات 'الصندوق' بالمطلق. مع ذلك، تظل الحقيقة متمثلة في ضيق هامش المناورة أردنياً، نتيجة حاجة المملكة لإبرام الاتفاق في النهاية.
الأجواء ليست مريحة تماما بين الطرفين. والشروط التي وضعها 'الصندوق' تهيئ نفسيا لسنوات مقبلة غير سهلة أبداً، بل وقاسية. وهو الأمر الذي تسعى الحكومة إلى التفاوض بشأنه، نظرا لصعوبة الشروط.


إذ إن تخفيض المديونية خلال سنوات البرنامج، في ظل الحالة الاقتصادية القائمة، ولاسيما تواضع معدلات النمو إلى نسبة 2.8 % فيما يحتاج الاقتصاد نسبة 7-8 %؛ يجعل تحقيق هذا المطلب أو الشرط 'أشبه بالمعجزة'، كما يؤكد خبراء ومطلعون على الملف، وإلا فبتكلفة مرتفعة جداً على المجتمع.


الطريق إلى تخفيض الدين العام تقتضي العمل باتجاهين. الأول، تخفيض النفقات. وهنا ينظر 'الصندوق' إلى بنود دعم السلع والخدمات تحديدا، وليس إلى جوانب الهدر في الإنفاق العام لضبطها. ما يعني أن الباب سيكون مفتوحا على التفكير بإلغاء أو تخفيض دعم المياه والكهرباء، والخبز أيضا، باعتبارها البنود التي تكلف الخزينة مئات ملايين الدولارات.


أما الاتجاه الثاني، وهو قاس أيضا مجتمعياً، فيتعلق بزيادة الإيرادات. هنا لا ندري أن الحكومة ستكون كمن سبقها من حكومات؛ وتتهرب من معالجة التهرب الضريبي كنافذة لزيادة الإيرادات، أو تذهب للخيار الأسهل وهو توسيع قاعدة دافعي ضريبة الدخل. فما نزال نسمع من مسؤولينا عبارة 'هل يعقل أن 97 % من الأردنيين لا يدفعون ضريبة؟'، وفي هذا تضليل وتعمية على الحقيقة. ذلك أن نسب ضريبة المبيعات مرتفعة جدا، ناهيك عن كونها غير عادلة، إذ يدفعها الجميع؛ الفقراء ومتوسطو حال والأغنياء. وتؤكد المعلومات ارتفاع معدل العبء الضريبي محليا. وذلك يعني، بالمحصلة، وجود اختلالات في نظامنا الضريبي، بما يوجب مراجعته كاملا، وليس جزئية ضريبة الدخل فقط.


ثمة أمر آخر يسعى 'الصندوق' للتعاطي معه، للمرة الأولى، ضمن برنامج التسهيل الائتماني المقبل، رغم أنه من اختصاص الحكومة، وهو بند التوظيف. إذ بدأت المؤسسة الدولية تدرك المخاطر الكبيرة لارتفاع معدلات البطالة بين الأردنيين. فالأرقام هنا، حتى من وجهة نظر 'الصندوق'، باتت مقلقة. وذلك نتيجة الفشل الكبير في تنظيم سوق العمل المحلية، وتحسين بيئة الأعمال بما يخدم فرصة تشغيل الأردنيين. فبلد يشغّل نحو 700 ألف عامل من جنسيات شقيقة وصديقة، قادر بالتأكيد، إن نظّم سوقه وحسّن بيئة العمل فيه، على استبدال نسبة من العمالة الوافدة بعمالة أردنية.


برنامج اقتصادي جديد بإشراف صندوق النقد الدولي، هو أمر حتمي لا مفر منه. لكن المشكلة أننا طبقنا برنامج الاستعداد الائتماني للفترة 2012-2015، ولم نحقق الهدف العام؛ بتقليص حجم مأزقنا المالي. فهل نضمن أن تكون نتائج البرنامج الجديد مختلفة؟


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة