الأحد 2024-12-15 17:58 م

الإعلام الإلكتروني: التنظيم أم التأديب !

10:15 ص

اذا كان الهدف من التعديل على قانون المطبوعات، المعروض على البرلمان، هو تنظيم عمل المواقع الالكترونية فلا اعتقد ان الإعلاميين فيها يعارضون ذلك، ولقد لمست هذا بنفسي من خلال اللقاءات التي شاركت فيها مع طيف واسع من الزملاء اثناء الاعداد للاستراتيجية الإعلامية، المقترحات كانت عديدة لكنها جميعا تعتمد على التنظيم الذاتي مثل الانضواء تحت مظلة نقابة الصحفيين بالشكل الذي يتم الاتفاق عليه، الى جانب التسجيل في وزارة الصناعة والتجارة وان يكون ذلك اختياريا على ان يوفر القبول بهذه المقترحات الاعتراف بالإعلام الإلكتروني كقطاع إعلامي يدعى مثل غيره من الاعلام المرئي والمسموع الى الندوات الصحفية الرسمية والى غير ذلك من التسهيلات المتوفرة للصحافة ووسائل البث.

على أني اجزم بان القصة بين الحكومات وبين الاعلام الالكتروني لا تتعلق بالتنظيم والتسجيل، كل هذا (حجة بحاجة) والحاجة هنا السعي الرسمي الدؤوب من اجل وضع حد للتعليقات التي يكتبها القراء على بعض الاخبار والمقالات وكذلك هي محاولة لمنع نشر مقالات وأخبار لا يمكن ان تجد لها مكانا للنشر في وسائل الاعلام غير الالكتروني. ومن هنا فان مسلسل التعديلات للقانون منذ اكثر من عامين تحمل في ظاهرها (التنظيم وقوننة عمل المواقع) لكنها جميعا تحمل في باطنها النوايا الحقيقية لكل هذه التعديلات وهي منح الحكومة حق الحجب الى جانب تغليظ العقوبة بنص قانوني في قانون المطبوعات.
كل قانون يتضمن الحجب هو قمع لحرية الرأي وكل عقوبة بسجن الصحفي هي كذلك، مثل هذا الكلام هو من أبجديات حرية الاعلام وحرية النشر لكن بموازاة ذلك على الاعلام ان لا يعتدي على حرية المواطنين وليس لأي صحفي او وسيلة إعلامية ان تشهر باي مسؤول وان تمسه بالذم والقدح، ويوفر قانون المطبوعات وقانون العقوبات الغطاء التشريعي لكل مواطن اذا أراد اللجوء الى القضاء في دعاوى القدح والذم ولا حاجة بنا الى تعديلات جديدة الا اذا كانت الغاية هو ابتداع مقص رقابة إلكتروني يحجب الفضاء ويبث الخوف من نشر المعلومات والآراء الناقدة.
بالمقابل لا بد من رقابة ذاتية على ما ينشر في المواقع، والمقترحات الخاصة بهذه الرقابة موجودة في الاستراتيجية الإعلامية واهمها: 1- الإسراع في انشاء مجلس شكاوى يتكون من شخصيات إعلامية تملك التجربة ومن قضاة متقاعدين ومن خبراء في حقوق الانسان ويتمتع بالاستقلالية الكاملة ويمثل قوة معنوية وأخلاقية في الوسط الإعلامي وفي المجتمع لتقبل الشكاوى باتجاهين من المواطن والمسؤول ضد ما يعتقد انه تشهير وافتراء وتقبل شكاوى الإعلاميين اذا ما تعرضوا للملاحقة عند نشر معلومات وأخبار صحيحة. وأهمية وجود مثل هذا المجلس ان يعطي رأيا في شكاوى القدح والذم عندما تتعلق الاخبار المنشورة بأخطاء مسؤول او ممارساته الأخلاقية العلنية 2- ان يوضع ميثاق شرف من قبل العاملين في القطاع الالكتروني 3- ان يكون هناك مرصد لقياس أخلاقيات المهنة تابعا لمجلس الشكاوى. اضافة الى مقترحات اخرى تؤدي الى محاصرة التجاوزات وتطوير المهنية بما في ذلك رفع مستوى تعليقات القراء ومشاركاتهم وتوعيتهم بقوانين الحرية في التعبير.
التعديل المعروض يفترض ان ياتي بعد تشغيل الاستراتيجية الاعلامية ( التي احتفت هذه الحكومة باعلانها) وبعد اختبار آلياتها في التنفيذ. وباختصار التعديل الذي بين يدي النواب هو لتأديب الاعلام الخارج عن طاعة قوى الشد العكسي، فالرقابة والحجب هو ما يميزمشروع القانون ونأمل ان لا يمر. في الوقت نفسه تمثل المناسبة دافعا للإعلام الالكتروني للاسراع في عملية التنظيم الذاتي ورفع المستوى المهني ليس من اجل حماية حرية التجاوز على كرامة الناس ولكن لاحترامها وتخليص هذا القطاع من كل ما هو غير مهني، وبصراحة فان اعداد الساخطين من تجاوزات بعض المواقع في ازدياد بين المواطنين. والخاسر الاكبر اذا استمر هذا الحال هو الاعلام الالكتروني بشكل خاص وحرية الاعلام وحريات المجتمع بشكل عام.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة