الوكيل - منذ دخول الدراجة الهوائية (البايسكل) على مدار الحياة العامة في اوروبا في القرن التاسع عشر (وربما قبل هذا الزمن) اصبحت في بداية القرن الحادي والعشرين جزءا من الحياة اليومية ورمزا للتغيرات الحادثة في مجتمعات العالم، ذلك ان صورة الدراجة بعجلتيها تلبست وخلال قرنين من الزمان اكثر من صورة ورمز، بشكل جذبت اليها انتباه المبدعين، بنفس الطريقة التي لفت ظهور القاطرة والسيارة والطائرة وكل منتجات الثورة الصناعية انتباه الكتاب باعتبارها علامات على تغير الحياة، والتحول او الهجرة من مرحلة الى مرحلة.
ولم تفقد الدراجة خلال تاريخها وهجها او قل اهميتها في حياة الناس، فقد ظلت وسيلة السفر الاكثر امنا، والاقل كلفة وسرعة لسكان المناطق الحضرية، وهي وان تراجعت مثلا في الولايات المتحدة مع بداية القرن الماضي نظرا لانتشار الاتوموبيل والسيارات الا ان امريكا بنهاية القرن الماضي اصبحت من الدول التي ازدهرت فيها ثقافة الدراجات والتي يقبل شبابها وشاباتها على ركوب الدراجات للرياضة ولتجنب الاختناقات المرورية وزحمة الشوارع. واصبحت الدراجة اليوم عنوانا على الحياة الصحية وطريقة تشجع عليها السلطات المحلية للتقليل من مستويات التلوث النابعة من مداخن المصانع وعوادم السيارات. وتبدو في لندن الصورة واضحة تتوفر الدراجات ‘دراجة بوريس′ على اسم عمدة لندن بوريس جونسون، التي يمكن لزائر لندن المستعجل اكتراءها لساعات او يوم كامل يقضي حاجته منها ويتركها في اي مكان في داخل لندن.
جاءت من نفس الرحم
وبسبب حضورالدراجة في الواقع فلم تكن غائبة عن عدسة الكاميرا والفيلم، فهما اي الدراجة والفيلم جاءا من رحم الثورة الصناعية، ومن نفس الاصل، اي الحديد والصلب والبخار، وهذه المواد/ العناصر الثلاثة غيرت الحياة الحديثة ، ونقلت المجتمعات الريفية الى حضرية ومدنية وانهت العصر الاقطاعي. اضافة الى ذلك اثرت هذه العناصر وما نتج عنها على العلاقات المجتمعية وطريقة تفكير الناس، بأنفسهم وبمن حولهم. ومن هنا كان الفيلم وباستخدام تقنيات الحداثة، سواء في اشكالها البسيطة الاولى والاكثر تعقيدا في العصر الرقمي قادرا على رصد التحولات الفردية والمجتمعية وازمات الحياة بل حملت الدراجة في السينما رمزية ذات كثافة عالية حيث واكبت الدراجة تحولات المجتمع الحديث في اوروبا وكذا في المجتمعات التقليدية التي تحاول التأقلم مع الحداثة. وباستعراض الطريقة التي تعامل فيها الفنان السينمائي مع الدراجة نلاحظ انها ظهرت في الفيلم كتجسيد للحياة اليومية، ومع تقدم القرن وتحولات السينما وصعود السينما الامريكية، والاختلافات على اشكال السرد في السينما الاوروبية والامريكية اثرت بالضرورة على تمثيل وتمثل الدراجة الهوائية، فالاولى انشغلت في جزء منها بالسوريالية والآلة. وفي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية اصبحت الدراجة رمزا للبحث عن العمل وفقدانها كان يعني فقدان لقمة العيش وهو ما بدا في الفيلم الكلاسيكي، والذي يعتبر من اهم افلام الواقعية الجديدة في السينما الايطالية ‘سارق الدراجة’ (1948) لفيتوري دي سيكا، وانتج دي سيكا الفيلم وصوره في موقع واحد، واستخدم فيه اشخاصا عاديين لا علاقة لهم بالتمثيل، ونقل فيه دي سيكا الحياة الاجتماعية. وظل بحث بطل الفيلم الدائم عن سارق دراجته لانه باستعادتها كان سيستعيد حياته وعمله وبالتالي تأمين متطلبات الحياة اليومية لعائلته الصغيرة. وارتبط الفيلم بايطاليا الخارجة من الحرب، حيث نقل الفيلم ما يجري في المجتمع من مشاكل ناجمة عن الحرب. ويعد فيلم دي سيكا من اهم الافلام التي يبدأ فيها طلاب مدارس السينما، ورحلتهم مع السينما الايطالية والواقعية الجديدة ،وان كان الفيلم يمثل ايطاليا وحياتها الاجتماعية فالدراجة في فيلم جاك تأتي ‘اليوم الكبير’ (1949) تمثل التحديث، حيث يستخدم بطل الفيلم وهو المخرج نفسه الدراجة للعمل على نقل البريد ومن خلالها ينفتح على الحياة الريفية الفرنسية وما فيها من جديد.
من التمرد الى التحرر
في فترة الخمسينات من القرن الماضي اصبحت الدراجة رمزا للحرية، التمرد، وفي الستينات برزت كصورة عن العاطفية، والاغراء واحيانا التميز والغربة، ويبدو هذا واضحا في فيلم ‘جيم وجولي’ (1962) لفرانسوا تروفو، احد رموز الموجة الجديدة في السينما الفرنسية. وعلى العموم فانه لا يمكن تحديد ظهور الدراجة في السينما بثيمة معينة وحصرها في عقد ما من القرن، فقد تعددت الملامح الرمزية والمعاني حيث تعامل كل مخرج مع رمزية الدراجة بطريقته الخاصة فرديلي سكوت في فيلم ‘صبي على الدراجة’ (1965) استخدم ملامح من تيار الوعي في ملاحقته لشقيقه. وفي
تيريز وايزابيل’ (1968) لرديلي ميتزعر والقائم على راوية لفيوليت لوديك يشير لرحلة فتاتين تحضران لمرحلة جديدة من الحياة والشباب حيث يبدو المشهد حولهما وهما على دراجيتهما وادعا، الشارع المشجر، وحالة الجذل والفرح، لكن تحرك عجلة الدراجتين للامام يحضرهما للقادم، وهو ما بدا في فيلم بترولوشي ‘ السماء الواقية’ (1990) عن رواية لنزيل المغرب الامريكي بول بولز، حيث يبدو ‘بورت مورسيبي’ جون مالكوفيتش وزوجته ‘كيت مورسيبي’ ديبرا وينغر يقودان دراجيتهما في الصحراء الهادئة الصفراء، تحضيرا للتوتر القادم. فالمشهدان في الفيلمين وان رمزا الى الراحة، والفضاء اللامحدود والشمس الصافية في فيلم برتولشي الا ان نهاية الفيلمين لم تكن سعيدة بل قادت رحلة الدراجات بتحضير المشاهد الى مرحلة ومركز التوتر. ومن هنا استخدمت الدراجة كرمز للامل والبساطة والحرية في البداية. وفي ملامح اخرى رمزا للتحرر من القيود كما سنرى لاحقا في افلام نهاية التسعينات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي، سواء في امريكا او في مناطق الشرق الاوسط، ايران والسعودية. ففيلم ميغ رايان ونيكولاس كيج ‘مدينة الملائكة’ (1998) رمزت فيه الدراجة الى الحرية. وعلى العموم فقد جاء هذا الفيلم في مرحلة مهمة اصبحت فيها الدراجة او ثقافة سباق الدراجات شعبية وجزءا من الحياة الشبابية في امريكا حيث دخلت هوليوود على الخط وانتجت عددا من الافلام. وفي هذه المرحلة اصبحت الدراجة اما تعبيرا عن موقف سياسي، كما في فيلم كيفن بيكون ‘كويك سيلفر’ او تعبيرا عن الثقافة الشبايية ‘كول’ كما في فيلم ‘بروجيكت اي’ لجاكي شان، او رمزا للحياة اليومية كما في فيلم ستيفن سبيلبرغ ‘اي تي’، ولم تكن الدراجة بغائبة عن افلام الحركة مثل ‘داي هارد’ (1995) و ‘ترانسبورتر’(2002). قصة الفيلم والدراجة الهوائية مثل بقية اشكال الحياة الحديثة التي نتجت عن الثورة الصناعية التي بدأت في اوروبا تعبر عن التلاحم بين الصورة رسما وفيلما متحركا- والالة، حيث يعبر تاريخ السينما عن الدور الذي لعبته الدراجة الهوائية في تطور الحياة الحضرية في المجتمعات الحديثة. وقد استخدمت الدراجة اما كرمز ضروري في تطور فكرة الفيلم واحداثه، واما كجزء من المشهد، او تعبيرا عن حاجة يومية لا يستغني عنها البطل، او كرمز يعبر عن حالة نفسية او شعورية للبطل او ابطال الفيلم، او تسجيلا لموقف، سياسي او اجتماعي للبطل او البطلة، او مجاز عن احلام الناس.
تحدي التابو
ولهذا استخدمت الدراجة كغيرها من الوسائل الحديثة لتحدي المحرم او التابو في المجتمع التقليدي. فقبل مئة عام او يزيد ركبت اليس هوكينز (1863-1946)، احدى رائدات تحرير المرأة في بريطانيا دراجتها الهوائية وتجولت في شوارع مدينة ليستر داعية ومدافعة عن حقوق المرأة حيث اثارت غضبا من مجتمع المدينة لانها كانت اول امرأة تلبس البنطلون وتركب الدراجة. ولم تكن الدراجة الهوائية في اثناء الحركة المطالبة بتحرير المرأة في بريطانيا واعطائها حقها في التصويت، مجرد وسيلة لتحرك المرأة بل رمزا للمطالبة بتحررها من العبودية، وهو ما عبرت عنه داعية الحقوق المدنية الامريكية سوزان انتوني (1820-1906)، والتي كتبت عام 1896 قائلة ‘ اعتقد ان الدراجة فعلت الكثير لتحرير المرأة اكثر من اي وسيلة في العالم، واشعر بالفرحة في كل لحظة اشاهد فيها امرأة تركب دراجة، لان مجرد جلوسها على مقعد القيادة يعطيها الشعور بالاعتماد على النفس، ومن ثم تمضي في طريقها، انها صورة عن الانثى التي لا يقيدها قيد’.
اليوم الذي اصبحت فيه امرأة
ومن هنا يمكن فهم رمزية الدراجة في فيلم مرضية مشكيني (زوجة المخرج الايراني محسن مخملباف) ‘اليوم الذي اصبحت فيه امرأة’ (2000) وهو فيلم يتكون من ثلاثة افلام قصيرة تجمعها قصة المرأة في ايران، فالقصة الاولى عن الصبية حوا التي ستصبح فتاة وتطلق عالم الطفولة الحرة واللعب مع الاطفال، حيث ستلبس الشادور وتدخل في البيت، ومن اجل الاستفادة من الساعات الاخيرة المتبقية لها تسمح لها امها باللعب مع ابن الحارة او صديقها وتغرس في الارض عصا تقول لها انه عندما يصبح الظل اطول من العصا فمعنى هذا هو انتهاء اليوم. وتأخذ الفتاة حوا بمراقبة العصا والظل وتقيسه بأصابعها حتى لا تتأخر عن الدخول في سلك الانوثة. اما القصة الثانية وهي مرتبطة بالدراجة فهي عن ‘اهو’ التي تقرر الانضمام الى مجموعة من النساء يتسابقن على الدراجات على غير رغبة زوجها الذي يلاحقها وهو على متن حصان، وتكون اهو في المقدمة حيث يطلق التهديدات والوعيد من مثل الطلاق. وتواصل اهو السباق حيث ينضم اخرون من عائلة زوجها على خيول ويستطيعون في النهاية وقفها عن المضي بالقوة. في القصة الثالثة سيدة عجوز ‘حورا’ على كرسي متحرك يقودها صبي من محل الى اخر في اسواق التسوق حيث تشتري كل ما لم تكن قادرة على شرائه عندما كانت متزوجة وشابة. وتنفق السيدة المال ببذخ حيث تشتري ثلاجة وغسالة واشياء اخرى وتنتهي بعدد من العربات تسير وراءها محملة بما اشترته من مال تقول انها ورثته ولكن اين تأخذ هذه الاشياء، الى البيت ام الى مكان اخر، وهنا اللمحة الذكية في الفيلم حيث تصف ما اشترته على شاطيء البحر. وتمثل الدراجة في الفيلم رمزا لمحاولة المرأة الخروج من القيود المفروضة عليها، حيث ينجح الحصان بوقف طموحها، وقبل ان نذهب بعيدا نود ان نشير الى فيلم ياباني اخر مرتبط بالدراجة التي ترمز الى اكتشاف الذات وهو ‘جيتنشا’ (2009) اي الدراجة من اخراج دين يامادا حيث يكتشف بطل الفيلم ان جزءا من دراجته يسرق، ولم يتبق منه الا جرسها، ويتلقى بعد ذلك رسالة تدله على مكان كل قطعة سرقت حيث يبدأ البطل رحلة اكتشاف لاعادة تركيب الدراجة من جديد، فكأن تفكيك الدراجة كان تفكيكا لذات البطل واعادة تركيبها كان بمثابة تركيب لذاته ورحلة اكتشاف لمعنى الحياة. ونفس الامر يظهر فيلم ‘ دراجة بيجين’ (2001) والذي يقدم صورة عن التحولات الاجتماعية في داخل المدن الصينية. وعلى العموم فقصة الدراجة الهوائية لا تتوقف عن رمزيتها الابداعية في الفيلم ولكن عن السباقات التي جذبت عين الكاميرا اليها واصبحت السباقات الشهيرة مثل سباق فرنسا للدراجات مجالا لصناعة افلام درامية عن حياة ابطال السباقات منها ‘الاسكتلندي الطائر’(2006) الذي لعب فيه جون لي ميللر، حياة الاسكتلندي غرايام اوبري، الحائز على بطولات في عام 1993 و 1995. وهناك كم كبير من الافلام الوثائقية حول سباق الدراجات، طويلة وقصيرة، وهذا يفسر المهرجان السنوي الذي يعقد سنويا تحت ‘مهرجان افلام الدراجات’ الذي افتتح نهاية الاسبوع الماضي في لندن بورش عمل وافلام عرضت في قاعة باربيكان للفن في لندن.
فيلم وجدة
وعرض في المهرجان فيلم السعودية هيفاء المنصور ‘وجدة’، وقد حظي الفيلم بحفاوة عندما عرض في عدد من القاعات الرئيسية في بريطانيا في الصيف الماضي، كما كتب عنه الكثير، ونالت مخرجته المنصور اهتماما اعلاميا من صحف بريطانيا. ووصفه الناقد السينمائي في صحيفة ‘اوبزيرفر’ فيليب فرينتش قبل تقاعده بالفيلم البسيط المثير للاعجاب حيث التقطت صوره كاميرا المصور الالماني الحادتين لوتز ريتمير. قصة الفيلم كما ويقول فرينتش انه جاء مثل عقد جميل تدور حوله الحكايات والحقائق والنظرات التي تنير بطريقة جميلة حويت النساء في مجتمع شمولي، ابوي غير عقلاني.
ووضع فرينتش ‘وجدة’ ضمن تقاليد السينما العالمية التي تعاملت مع الدراجة. فمع انه اول فيلم يصور بكامله في السعودية وبالتأكيد الاول الذي تكتبه وتخرجه سعودية الا ان التعاون الالماني- السعودي حول ‘الصورة الى مجاز عن الحرية وتقوية الذات وغنائية التحرر’ كما انه بحسب فرينتش يصدر عن تجربة تمت بصلة الى بونيل ‘الكلب الاندلسي’ (1929) وفيلم تروفو ‘جولي وجيم’.
المثابرة
ما قاله فرينتش هو جزء من الحفاوة الواسعة في بريطانيا وحول العالم بالفيلم، لانه جاء من منطقة ظلت فقيرة في مجال السينما، وظلت مشاهدة وصناعة الفيلم فيه مغامرة تحت الارض على الرغم من مظاهر انفتاح عاشتها السعودية في الاعوام الماضية حيث عقدت مهرجانات سينمائية حيث الغت السلطات السعودية عام 2009 مهرجان جدة السينمائي. ومن هنا تبرز اهمية ‘وجدة’ لانه عن الحلم والمثابرة على تحقيقه والبحث عن وسائل للتوصل اليه فوجدة (وعد محمد) تحلم بان يكون لها دراجة تسابق فيها صديقها عبدالله وتعمل من اجل ذلك على استثمارطاقتها في بيع الاساور الصوفية التي تحمل شعارات النوادي الرياضية السعودية، وتبيعها لزميلاتها في المدرسة، كما انها تتميز بفطنة وقدرة على جمع المال لشراء الدراجة التي حجزتها عند صاحب المحل القريب من بيتها وثمنها 800 مئة ريال سعودي، وتقودها هذه الفطنة او العقلية التجارية لمشاكل ونقل رسائل حب لاحدى الطالبات لعشيق لها خارج المدرسة، ويقودها طموحها لتوفير المال للمشاركة في مسابقة للقرآن الكريم وحفظ الاجزاء الخمسة منه على امل الفوز بها واخذ الجائزة المالية الف ريال، حيث تفوز بها ولا تأخذ المال لان ‘لعنة فلسطين’ تلاحقها فالمدرسة تقرر التبرع بقيمة الجائزة ‘لاخواننا الفلسطينيين’. ومهما كان الدافع خيريا فهناك ارتباط في شعور الطفلة ان فلسطين كانت السبب في حرمانها من تحقيق حلمها الذي سعت اليه طوال الوقت، ودخلت المسابقة مع انها لم تكن مبرزة في حفظ القرآن ولا تلاوته. وبعيدا عن هذا فالحلم بالدراجة هو معادل للبحث عن الحرية خاصة ان وجدة التي تبدو في حذائها الرياضي الذي يبدو غير متناسب مع جلبابها كمراهقة ثائرة ولا تختلف عن اي بنت في اي مكان، تحلم وتستمع للاغاني الاجنبية وتتقن العاب الكمبيوتر، وتعرف التلصص والخديعة على البنات في عمر اكبر منها، وتبدو صامدة واشكالية امام مديرة المدرسة، التي لا تني تذكرها بالحضور الى المدرسة بالجلبات الكامل، اي العباية وغطاء الرأس، وتذكرها بالتخلص من حذائها الرياضي، كما تفتش حقيبة كتبها وتعثر على اشرطة اغاني حب وهو ما لا يتناسب مع اجواء الفضيلة التي تحاول المدرسة اشاعتها في قلوب الفتيات. ويصبح التهديد بالزواج المبكر بعد الفصل من المدرسة سلاحا كي يردع البنات عن اي تصرف يخرق قوانين المدرسة، الجلوس في الساحات المفتوحة، كتابة رسائل حب او الاتصال بالشباب. ومع ذلك فالفيلم هو عن الطرق والوسائل التي تحاول فيها المرأة في السعودية التعامل مع نظام يقوم على شفرات وقوانين تؤكد على وضعية المرأة كمخلوق ثانوي، ويبرز الفيلم كفاح المرأة مع الزوج الذي نادرا ما يأتي للبيت ويدور مع امه من بيت الى بيت يبحث عن زوجة ثانية كي تنجب له ولدا ذكرا بعد ان فشلت زوجته وام وجدة بهذا. مع ان وجدة جاءت كما تقول الام بعد ولادة عسرة كادت ان تقضي عليها. في مجتمع متوسط الحال يكون الفضاء المحيط بالعائلة غير حميم، غبار وبنايات لم تكتمل او تحت الاكتمال، شوارع غير معبدة وفقر واضح. ومن خلال هذا الواقع تكافح المرأة على اكثر من جبهة مع الزوج الذي يرفض المشاركة في تأمين مصاريف البيت، ويتهم الام بوضع اموالها في الجمعيات كي توفر بعض المال، ومع السائق ‘الاجنبي’ اقبال الذي يستغل حاجة النسوة الى سيارته لنقلهن في رحلة تمتد 3 ساعات الى اماكن العمل كمدرسات، وتقرأ في مواقف الرجال في مراكز التسوق تلميحات جنسية، وكبت يبحث عن الوجه خلف القناع. مع ان فكرة الفيلم تقوم على تصوير المرأة كضحية للرجل، وغير معترف بها في شجرة العائلة مع ان وجدة كانت دائمة النظر الى الشجرة وعندما تدبس ورقة باسمها عليها تجد في اليوم التالي ان الورقة قد ازيحت عنها. وتشي حركات وجدة الشخصية الرئيسية في الفيلم عن معنى الكفاح الدائم والمثابرة على تحدي النمطيات والاطر والعوائق الموضوعة امام المرأة السعودية. كما ويكشف لنا الفيلم عن حجم التوزع والتمزق في داخل الام التي لم تعرف رجلا في حياتها الا والد ابنتها وهي تكافح من اجل الابقاء عليه كجزء من البيت ولا تريد شراكته مع امرأة اخرى رغم معرفتها ان معركتها خاسرة، فهي تحاول اخذه بالكلام المعسول الذي تجيده الانثى وتحضر له الطعام اللذيذ عندما يحضر اصدقاؤه، وتكتفي بأكل ما تبقى من الطعام، وهي تنتظر عرس شقيقه كي تثبت للجميع بانها الجميلة وتشتري الفستان الاحمر لهذه المناسبة، ومع ذلك فهي تقاتل الملل والارق بالتدخين سرا او مراقبة حفلات الانتخابات لجارهم. وعلى الرغم من قرفها من الرحلة اليومية مع اقبال ونكده وتطلعها للعمل في المستشفى القريب من بيتهم الا انها تقاتل الفكرة خشية اغضاب زوجها الباحث عن ضرة لها. تبدو وجدة وحيدة في عالمها على الرغم من الحنان المفترض من والدتها او والدها، فهي تعيش عالمها الخاص، تمشي للمدرسة وحدها وتتعرض لشقاوات الاولاد، وتعود للبيت تنتظر عودة امها حتى تأكل، ونادرا ما يبدي الاب اي اهتمام بها، وحتى عندما رجعت باكية بعد ان حرمت من قيمة الجائزة المالية لم يفسح لها الوقت كي تعبر له وتشرح ما حدث، فقد كان مشغولا بما هو اهم وهو الزوجة الجديدة. ويبدو ان وجوده في البيت كان محاولة اخيرة لاسترضاء الزوجة الاولى والحصول على موافقتها بما هو مزمع على القيام به. يخلق الفيلم عالما سعوديا وهو ان لم يختلف في ظروف التقوى والفضيلة عن اي مكان اخر، لكنه يفصح عن سمات مجتمع يعيش على الهامش ونادرا ما يذهب الى مراكز التسوق الفارهة وتخلو منه اي ماركات لمطاعم الاكل السريع الشهيرة. يقدم الفيلم على ما قيل حوله رؤية عن السعودية التي تقول صحيفة ‘الغارديان’ في افتتاحيتها يوم الجمعة ان مهرجان الدراجات لم يشهد منذ افتتاحه شيئا كبيرا مثل الحديث الفصل العنصري الجنسي في السعودية. وربطت الافتتاحية بين ما قيل لبطلة الفيلم ان ركوبها الدراجة سيهدد حظوظها بانجاب اولاد وما قاله شيخ سعودي اخيرا ان قيادة المرأة للسيارة يؤثر على رحمها. واشارت الظروف المثيرة للضحك او السخيفة التي كان على المنصور العمل فيها من اجل انتاج الفيلم، حيث كانت صورت بعض لقطات الفيلم من داخل سيارة كي لا تختلط بالرجال. وتعتقد ان الفيلم قد يؤدي الى تحريك عجلة التغيير في السعودية خاصة ان رشح للاوسكار في العام المقبل.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو