الأحد 2024-12-15 05:07 ص

البستاني: درويش لجأ إلى العادي في حياة الفلسطيني بمواجهة ثقل التاريخ

08:38 م

الوكيل - حضر محمود درويش مساء أمس الأول شاعرا وسياسيا في محاضرة أقامها المركز الثقافي الفرنسي ضمن مهرجان الصورة الثالث الذي يحتفل بمرور نصف قرن على وجود المعهد في الأردن.

المحاضرة التي تعنونت بـ'محمود درويش بين الشعر والسياسة'، وقدمها د. صبحي البستاني، أستاذ الأدب العربي الحديث في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية/ باريس، شهدت حضورا من المهتمين بالأدب العربي والفرنسي.
استهل البستاني حديثه مؤكدا أن محمود درويش كان عنصرا فعالا في الحياة السياسية الفلسطينية وذلك في انتمائه لفترة طويلة إلى منظمة التحرير الفلسطينية كما أن التزامه بالقضية الفلسطينية كمواطن وكشاعر يظهر بشكل جلي في شعره وفي تصريحاته المختلفة، وفي الوقت نفسه نلاحظ أن درويش من الشعراء القلائل الذين بقيت علاقتهم بالقارئ متوهجة طيلة مسيرتهم و درويش الشعرية هي أربع وأربعون سنة. فهل لهذه الشهرة ما يبررها شعريا؟ وان كان الجواب ايجابيا فكيف تمكن هذا الشاعر أن يجمع بين الشعر والسياسة من دون أن يطغى أومن دون أن يضحي باحدهما في سبيل الآخر؟
ان المرحلة الأولى من إنتاج درويش التي يمكن أن نطلق عليها 'مرحلة الغنائية الرومنطقية المناضلة' تشمل الدواوين الأولى الصادرة في فترة مكوثه في حيفا والتي جاءت بغنائية مطعمة بالرومنطقية وكرست درويش شاعر المقاومة وشاعر فلسطين. كما أن نزعة المقاومة التي تبناها في شعره لا تتوكأ على أية مرجعية ايديولوجية وإنما تستمد مقوماتها الأساسية من الحياة اليومية والعادية للشعب الفلسطيني، فالحنين إلى طفولة مختصرة والى ارض مفقودة والرفض لواقع مغتصب تظهران من خلال لغة غنائية مرتبطة ببساطة هذه الأرض.
واوضح البستاني أن درويش وجد في الساحة العربية وفي الحقل الأدبي العربي الذي فتح له أبوابه، أن في الصحف أو في دور النشر مساحة تتناسب وطموحاته. ومنذ ذلك الوقت بتنا نرى عاملا أساسيا حرك شعره وأحياه، وهو العمل الجاد على ضبط صورته كشاعر وتوجيهها في الاتجاه الذي يريده هو لا في الاتجاه الذي بدأ يفرضه الجمهور و كاد أن يطغى على مسيرة الشاعر. فقد أراد درويش أن ينزع عنه كل الأوصاف والنعوت الجاهزة وكل الكليشيهات مثل 'شاعر المقاومة' أو 'شاعر فلسطين' أو 'شاعر الأرض المحتلة'، أراد أن يثبت انه شاعر وان جمال شعره ناتج عما فيه من جمالية شعرية و فنية لغوية لا عما فيه من التزام سياسي. حيث يقول' لو كان لي ملء حرية التصرف بما كتبت من شعر لما احتفظت على الأرجح إلا بما كتبته في العقدين الأخيرين'. وفي هذا إشارة واضحة لرغبة الشاعر في البحث المستمر عن الكمال الفني في الشعر، ويكفي أن نتأمل ديواني'احبك أو لا احبك' الصادر 1972، و'تلك صورتها وهذا انتحار العاشق' الصادر سنة 1975، لندرك كيف أن الشاعر بدأ بتغيير بنية القصيدة، فكيف تمكن درويش طيلة 44 عاما من الحفاظ على توازن شبه مثالي بين الشعر والسياسة؟.
في محاولته للإجابة على السؤال الماضي، توقف البستاني عند تطور غنائية درويش التي وسمت قصائده الأولى إلى غنائية ملحمية تمكنت من تحويل السياسي إلى شعري، فقلما نقع على علاقة جدلية بين 'الأنا' و'النحن' عند شاعر عربي مثلما نراها عند درويش. حيث قال:'لقد شاء القدر أن يندمج تاريخي الشخصي بالتاريخ الجماعي وان يرى شعبي نفسه في صوتي وفي قولي'.
وبالتالي ان مأساة الشعب الفلسطيني تظهر مثلا في ديواني 'هذه أغنية، هذه أغنية' الصادر سنة 1984 وديوان 'ورد اقل' سنة 1986 من خلال غنائية الأنا التي قد تكون طاغية في الأول والنحن طاغية في الثاني، وفي الديوانين يبلغ التعبير اللغوي برقته وموسيقاه أوج الشفافية.
وأشار البستاني إلى أن درويش والمواطن الفلسطيني يواجهان مأزقا في العلاقة بين التاريخ والأرض. فالإسرائيلي تبنى ميتة التكوين المرتبطة بالأرض وبفلسطين بالذات، وأصبح الشاعر الفلسطيني لذلك يتيم الميتة والتاريخ وبات عليه أن يخلق بنفسه ميتته وميتة شعبه وميتة أرضه، بات يشعر وكأنه مجرد من الثقل التاريخي الذي ينمو في لاوعي شعب ما والذي يرتكز عليه الوطني والأرض. ومن هنا لجأ درويش إلى تقنيات خاصة لخلق تلك الميتة ومنها اللجوء اليومي والعادي في حياة الفلسطيني ليستقي منها مادة شعره، يجعل منها جمالية اليومي ما يعوض عن الميتة التي سلبها منه الإسرائيلي واتخذها خاصته وحده. وهذه التقنية الشعرية تفسر لنا علاقة الانا بالنحن من جهة كما انها تفسر لنا من جهة ثانية خاصية المنحى الغنائي الوجداني في شعره وارتباطه بالاسطوري، وحتى الملحمي. يقول درويش في كتاب 'فلسطين كإستعارة' الصادر بالفرنسية 1997، ترجمة الياس صنبر'يمكن لغنائيتنا ان تنمو في اطار الميتة وحتى في اطار الملحمة'.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة