بعد كل المقالات التي كتبها العديد، وبعد اكثر من سنتين من دق ناقوس الخطر ان الحقبة النفطية اوشكت على الانتهاء، فقد دقت ساعة الحقيقة. الازمة الاقتصادية ليست مرتبطة فقط بتعديل قانون ضريبة الدخل، وحلها الحقيقي يتطلب اكثر بكثير من هذا التعديل، ولا يقل عن إعادة النظر جذريا في طريقة إدارة الدولة وإدراك أن الحلول لا يمكن ان تبقى تقنية خالصة، ولا يجوز ان تولد في غرف مغلقة، ولن يكتب لها النجاح دون حوار مجتمعي تشاركي حقيقي. وان قيل قديما ان الصمت أبلغ من الكلام، فهذه سياسة عفا عليها الزمن، وعنوان المرحلة يجب ان يكون المصارحة والحوار والتشاركية، فعصر استخدام الأدوات المالية الخارجية لتمويل نظام اقتصادي غير إنتاجي قد ولى ولن يعود.
نحتاج اليوم ليس للتناحر او إلقاء اللوم المتبادل على بَعضنا بعضا، بل الى تضافر وطني حقيقي لوضع خطة يشعر المواطن انها نتاج تشاركية وطنية ويقتنع ان في تطبيقها الوصول الى بر الأمان ولو بعد حين. الخطط التي تبدو انها تستهدف فقط جيب المواطن المثقلة قد تنجح آنيا في تحصيل أموال معينة، ولكنها لا تتقدم باتجاه وضع اطار سياسي واقتصادي ومجتمعي جديد يحكم عمل الدولة. دون ذلك الإطار، لن يتم تخطي الوضع الاقتصادي الحالي عن طريق الحلول الفنية بالقطعة.
كما لا بد من الاعتراف، ودون دفاعية، ان تطور الحكومات الاردنية في العقود الماضية لم يكن باتجاه حيازتها للولاية العامة كما ينص على ذلك الدستور، وأن شخوصها، الذين لم يأتوا للحكم يوما بناء على برامج انتخابية (باستثناء حكومة سليمان النابلسي)، يفقدون تدريجيا دورهم السياسي واتصالهم مع الناس العاديين وامتلاكهم لقدرات سياسية وإعلامية تسمح لهم بالتواصل المقنع مع الناس. نحن في وضع باتت غالبية شخوص الحكومات من التكنوقراط اما من غير المؤمنين او القادرين على التحاور وعلى المصارحة مع الناس وعدم التعامل معهم على أساس انهم لا يفقهون في الأمور الاقتصادية.
نحتاج اليوم لمقاربة هادئة ومختلفة لمعالجة وضع صعب، كما نحتاج للاقتناع انه لا بديل عن الحوار الوطني وعن خطة متكاملة قوامها مقاربة الحلول سياسيا وتشاركيا كما فنيا، حل يعتمد الصراحة مع الناس عبر حوار وطني حقيقي من شخوص لهم مصداقية في الشارع. كما هناك حاجة ماسة لخطة اقتصادية متكاملة وطنية وليست حكومية، تتعدى اشراك الحكومة ومجلس النواب اللذين لا يتمتعان بالمصداقية الكافية، لتشمل اشراك فعاليات متخصصة ذات مصداقية واسعة.
إن اي خطة جديدة لا تستطيع الاعتماد على الجباية فقط، وانما على التحول التدريجي نحو الاعتماد على الذات، بما يعني ذلك من مقاربات جديدة فيما يتعلق بترشيد حقيقي وتدريجي للإنفاق الحكومي وتطوير التشريعات المتعلقة بالاستثمار والنظام القضائي والتحول التدريجي نحو انفاق رأسمالي منتج وتطوير النظام التربوي والخدمات الصحية المقدمة بالتدرج لتمكين الطبقات التي لا تستطيع المنافسة اليوم، ولبلورة ثقافة إنتاجية مجتمعية معتمدة على الذات وليس على الدولة. وفوق كل هذا وذاك، يجب ان تتوقف المزايا المعطاة لفئات على حساب فئات حتى يتغير الانطباع السائد لدى الناس انهم ليسوا جميعهم متساوين امام القانون بنفس الدرجة.
أدرك ان كل هذا يحتاج لوقت. واعرف كما المواطن ان ليس هناك عصا سحرية. لكن لُب الموضوع يكمن في خيارين: اما الاصرار على نعت مثل هذه المقاربة بالمثاليات التي من الصعب تطبيقها بينما نواصل الغرق واتخاذ إجراءات مجتزأة لا تعالج الازمة جذريا، واما التوقف قليلا لتقييم المسيرة وادراك أن الدولة لا تستطيع الاستمرار بإدارة شؤونها بنفس الطرق القديمة.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو