السبت 2024-12-14 09:18 ص

الجامعات الأردنيّة .. ساحات حرب

12:17 م

الوكيل - أوقع العنف في الجامعات الاردنية خمسة قتلى هذا العام، وحوَّلها الى ساحات حرب استخدمت فيها كل أدوات القتل المتاحة، من حجارة وسكاكين وخناجر وعصي، وصولا الى الزجاجات الحارقة (مولوتوف) والمسدسات والأسلحة الأوتوماتيكية.


وهكذا، فلن تدخل تلك الجامعات، الخاصة منها والحكومية، (ويبلغ عددها خمسا وعشرين) موسوعة غينيس للأرقام القياسية بسبب تفوقها. فأفضلها حصل على المرتبة 13 عربياً و 1310 عالمياً، وفق تصنيف ويبوماتريكس للعام 2012. ولن تدخلها بسبب إنفاقها على البحث العلمي، في بلد يبلغ اجمالي انفاقه على هذا الجانب 0.45 بالمئة من ناتجه القومي. بل هو العنف ما يمكنه أن يؤهلها.

فقد رصدت احصائيات غير رسمية ما يزيد على 50 مشاجرة جامعية، وقعت بين الاول من كانون الثاني (يناير) ونهاية نيسان (ابريل) من العام 2013. «الحملة الوطنية من اجل حقوق الطلبة»، (واسمها «ذبحتونا»)، رصدت 30 مشاجرة خلال شهري آذار (مارس) ونيسان (ابريل) من العام الجاري. والتقرير الصادر عن «ذبحتونا» في العام 2012 رصد 80 مشاجرة في الجامعات الاردنية، مضافاً اليها تلك التي وقعت في المعاهد المتوسطة والكليات.

جامعات مضرجة بالدم

وهذه حروب عجز الامن الجامعي عن التعامل معها وتطويقها ليستعين بعناصر الامن العام وقوات الدرك التي يَحرمُ عليها وفق القانون دخول الجامعات، لكنها دخلت.

في 31 آذار (مارس) الفائت، تحول خلاف بين طالبين ينتميان الى تجمعين عشائريين مختلفين في جامعة «مؤتة» الواقعة في محافظة «الكرك» (120 كيلومتراً جنوب عمّان) الى معركة بالأسلحة النارية والمولوتوف، وقد اسندت الطلاب عشائرهم من خارج اسوار الجامعة بالرجال والسلاح.

انتهت المشاجرة بوفاة طالب في كلية الهندسة، قضى مختنقاً بالغاز المسيل للدموع الذي اطلقته قوات الدرك لفض المتشاجرين. علِّق دوام الجامعة وأعلن الحداد وحُلَّ الخلاف بعطوة عشائرية، وقيد القتل ضد مجهول.

ليس الكارثة ما حدث في مؤتة. الكارثة شهدتها جامعة الحسين بن طلال الواقعة في محافظة «معان» (216 كيلومتراً جنوب عمّان)، وذلك في 29 نيسان (ابريل). يومها، تحول اليوم الجامعي المفتوح الى معركة مفتوحة استخدمت فيها الاسلحة النارية التي ادخلها الطلاب الى الحرم الجامعي.

سقط اربعة قتلى بينهم عضو هيئة تدريسية. أغلقت الجامعة أبوابها حتى 26 أيار (مايو) 2013 لتنتقل المعركة من الجامعة الى عموم المحافظة، وبعد ان كانت المعركة بين طلاب ينتمون الى تجمعين عشائريين من المحافظة ذاتها، اصبحت بين العشائر بكامل مكوناتها وقواتها المسلحة.

جذور العنف الجامعي

فتحت احداث جامعة الحسين بن طلال العيون على ظاهرة العنف الجامعي المتأصلة، بعد أعوام من تعمد المسؤولين تجاهلها بل ومحاولة نفي وجودها. تعتبر العشيرة الفاعل الاساسي في المجتمعات الطلابية، ولا تعدو الجامعات الاردنية ان تكون حدائق خلفية للعشائرية، في تجل واضح لتنامي مظاهر الارتداد الاجتماعي نحو الجماعة المرجعية الأولى القرابية، العشائرية، الجهوية.

كان هذا الارتداد نتاج منهج رسمي رمى الى وأد المشاركة السياسية داخل المجتمعات الطلابية، والتي كانت بلغت أوجها في سبعينيات القرن الماضي في فترة الاستقطاب السياسي المزدوج، من قبل التنظيمات الفلسطينية العاملة على الساحة الاردنية والتيارات السرية الأردنية.

نجحت السياسة الرسمية في ما رمت اليه، اذ خلتْ الجامعات، بعد عقدين على ذلك الازدهار، من هكذا نشاط، وتراجع حضور التيارات الطلابية التي تحمل مضموناً سياسياً، مخلفة فراغاً تم ملؤه بالنزعات العشائرية والمناطقية. وهذه يذكيها وقوع غالبية الجامعات الاردنية ضمن مناطق نفوذ العشائر، فترى كل واحدة منها انها صاحبة الحق المطلق بالاستفادة من الجامعة توظيفاً وتعليماً.

ويجهد الطلبة المنتمون للعشائر على التنافس على فرض ايقاع وهيمنة عشيرتهم على الجامعة لاسيما في فترة انتخابات مجالس الطلبة.

رقعة العنف الجامعي تتسع، بينما يكرر المسؤولون القول أن «العنف لا عشيرة له»، ويقدمون اسبابا ثانوية لتعيين الظاهرة وكذلك بالنسبة لعلاجها.

خطة طوارئ

أعلن مجلس التعليم العالي في الاردن عن خطة طوارئ شاملة متشعبة المحاور لمواجهة العنف الجامعي، تبدأ بخلق بيئة توعوية قائمة على الحوار داخل الجامعات، وتمتد لتعيد النظر في التشريعات الجامعية وتفعيل العقوبات المعطلة اصلاً. وكشفت الخطة عن عجز في أداء الامن الجامعي وموظفي عمادات شؤون الطلبة غير المحترفين في التعامل مع المشاجرات... فوضعت جدولاً لتدريبهم. وهي ستحول كل جامعة الى قلعة أمنية تتم مراقبتها بالكاميرات من الداخل والخارج، وستربط فرص التوظيف بعد التخرج بالسلوك داخل الجامعة.

أما المضحك المبكي، فما اقترحه عدد من النواب كحلول للعنف الجامعي خلال جلسة خصصت لمناقشة الظاهرة. النواب حللوا وفسروا وخرجوا بمقترحات تلزم الطلاب... بزي موحد، وتمنع الطالبات من التبرج، وتعمل لتعزيز القيم الدينية! بل ان بعضهم طالب بإعادة خدمة العلم المتوقفة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وجعلها متطلباً اجباريا لدخول الجامعات، لأنها كما قالوا «تصنع الرجال».


خارج التفكير الرسمي

تشير إحصائيات «ذبحتونا» الى ان 90 في المئة من المشاجرات الجامعية تحدث في كليات العلوم الإنسانية، وطلبتها هم الاقل تحصيلاً في الثانوية العامة، يصلون الجامعات غالباً بمكارم ملكية (على غرار كوتا للاقل حظاً، وابناء الجيش، وابناء الموظفين والعاملين). ومع ذلك يرفض مجلس التعليم ان يضع ضمن خطته عادة النظر في سياسة القبول الجامعي.

كما تجاهلت الخطة مطالب الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والحملات المدافعة عن حقوق الطلبة للسماح بالعمل السياسي داخل الجامعات، ورفع القبضة الامنية عنها بهدف إعادة انتاج بيئة جامعية تقضى على الارتداد الطلابي للمناطقية والعشائرية.

رفع القبضة الامنية والسماح بالعمل السياسي حلم وكأن حلم تحقيقه اقترب عندما طلب الملك عبد الله الثاني خلال لقائه مجموعة من الناشطين الشباب مطلع العام 2011 من الاجهزة الامنية رفع يديها عن الجامعات خلال عشرة أيام من تاريخه... ومذاك، لم تنته الايام الملكية العشرة!


السفير العربي


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة