السبت 2024-11-23 18:39 م

الجامعات تكرر الأخطاء ذاتها

02:41 م

على مدى الأسابيع القليلة الماضية، قام عدد من الجامعات بطرح عطاءات لتنفيذ مبان جامعية، معظمها لكليات جديدة تنوي هذه الجامعات استحداثها، أو لمبان أكاديمية بهدف التوسع في قبول الطلبة. ومن بين هذه الإنشاءات، تظهر الرغبة التي تجتاح إدارات جامعية في إنشاء كليات طبية.

ومعظم الأنباء ربطت هذه الخطوات بما حصلت عليه تلك الجامعات من المنحة الخليجية. ليبدو أنه، وباسم هذه المنحة، تعود الجامعات إلى تكرار الأخطاء ذاتها؛ بالتوسع الكمي في القبول الجامعي، وفتح المزيد من البرامج الدراسية والكليات، ما يعني بالتالي حشد الآلاف من أعضاء الهيئات التدريسية غير المؤهلين في كثير من الأحيان، فيما لا تنصبّ النتائج الكارثية على مكانة الجامعات وقدرتها على المنافسة والاستدامة فحسب، بل أيضا على مستقبل التعليم ونوعية الحياة في هذا البلد، كما على قدرة المجتمع على الإدارة الحكيمة لموارده، ومواجهة التحديات؛ من الفقر والبطالة إلى التطرف.
التوسع الكمي غير المخطط له، على حساب التطور النوعي، هو التحدي الأول الذي يواجه التعليم العالي في الأردن منذ أكثر من عقدين. لكن لم تتحقق أي استجابة حقيقية على طريق خلق الحد الأدنى من التوازن؛ بل تذهب الأمور إلى المزيد من التعقيد تحت وطأة تباري رؤساء جامعات على توفير موارد آنية تغطي العجز الدائم في مالية الجامعات، بالتوسع في القبول، نتيجة توجيه أهدافها ومواردها إلى أغراض بعيدة عن الأهداف الأكاديمية التي وجدت من أجلها.
في العام 2014، خُصص للجامعات الحكومية من المنحة الخليجية مبلغ 100 مليون دينار، بواقع 10 ملايين دينار لكل جامعة، معظمها ذهب للبنى التحتية ممثلة في المباني، بهدف التوسع في قبول الطلبة. وهذا العام، خصص نحو 33 مليون دينار للجامعات، ربما سيذهب جزء كبير منها في نفس الاتجاه.
صحيح أن من واجب الدولة المساهمة في توفير المرافق الجامعية. لكن الجامعة لا تقوم ولا تتقدم بالمباني فقط. وعلينا الإقرار بأن البنى التحتية للجامعات الأردنية الحكومية تكاد تكون الأفضل بين جامعات المنطقة؛ فإلى متى يستمر الاستثمار في الاسمنت، حتى حينما يكون موضوع الاستثمار هو التعليم؟
ثمة أولويات عديدة تسبق المباني، تحتاجها الجامعات؛ لماذا لم نبادر إلى إطلاق مشروع ابتعاث وطني لبناء وتجديد دماء الهيئات التدريسية الأردنية؟ وهذا ربما يشكل أحد أبرز التحديات التي تواجه مستقبل الجامعات الأردنية. إذ بنت الجامعات الأردنية الأولى سمعتها الإقليمية من قوة كوادرها الأكاديمية، والتي تشكلت نتيجة برامج ابتعاث قوية في تلك المراحل. لكن منذ سنوات طويلة، أوقف معظم الجامعات برامج الابتعاث، واعتمدت بالدرجة الأولى على نوعية رديئة، في كثير من الحالات، من خريجي الدراسات العليا. ولماذا لا تخصص بعض هذه الموارد نحو تثبيت أعضاء الهيئات التدريسية الذين يتركون الجامعات رسميا بحثا عن موارد أفضل؟ ولماذا لا تخصص بعض هذه الموارد لتطوير نوعية التعليم والبحث العلمي؟
العام الماضي، وصلت أزمة الجامعات قمتها؛ جامعات مفلسة في المحافظات، واستنزاف جائر للكفاءات الأكاديمية وهجرة من أوسع الأبواب، وعنف طلابي حدث عنه ولا حرج هز المجتمع والدولة، ما فتح الباب أمام مناقشة وطنية جريئة ومهمة حول هذه الظاهرة وحول مستقبل الجامعات، وماذا لدينا من حلول، وماذا نريد من حلول وخطط على المدى البعيد كما على المدى القصير. وكانت الكثير من الأصابع تشير إلى أن أحد أسرار التعثر وأزمة الجامعات، يتمثل في التوسع الكمي، وما يعنيه من مصفوفة طويلة من الأزمات والمشاكل. وهذا العام، جاء الرد الإصلاحي بالمزيد من التوسع الكمي، والمزيد من الاستثمار في الاسمنت.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة