الجمعة 2024-09-20 21:35 م

«الرابع»..

08:05 ص

لا أحد يستطيع إنكار منطقيّة بعض التعبيرات التي تصدر عن معترضين يجتمعون بصورة شبه منتظمة في ساحة قريبة من الدوار الرابع.



تلك المطالبات تريد إصلاحاً اقتصاديّاً وسياسيّاً، يُحدث نقلة نوعية في المسار الوطني، ومثل هذا الإصلاح، بطبيعة الحال، مسؤوليّة أساسيّة من مسؤوليات الحكومة، أيّ حكومة، للوصول إلى عدالة ومحاربة فساد وبناء اقتصادي يعتمد على الذات.


وأيضاً، أن يصل الإصلاح إلى سلطات تمارس دورها المرسوم في الدستور، بلا تداخل، ولا تضاد أو تنازع، لأن الأصل في الأشياء الانتظام في سياق مؤسسي منهجي، محدد المسؤوليات، وواضح الحقوق والواجبات.


هذه قضايا جوهريّة، ومن شأنها أن تُحدث الفرق اللازم في الحالة الوطنيّة، وتسهم في نهضته، لكن لا بدّ، هنا، من توافر شرطين موضوعيين لا يمكن تجاوزهما أو إغفالهما من الجميع دون استثناء، وهما: أولاً: الحفاظ على الوطن واستقراره ومنع أي استثمار خارجي يريد مفاقمة مشكلاته، وثانياً: التقدم بحلول منطقيّة قابلة للتطبيق لمسائل الخلاف، تأخذ واقع الوطن وما يحيطه من ظروف بالاعتبار.


واقعياً، تعددت المطالب والأفكار، على «الرابع»، وتنوعت الاتجاهات والتوجهات، أحياناً تتصادم، وأحياناً أخرى تتفاوت في سقفها ودرجة أهميتها، ومقدار واقعيتها ومنطقيتها، ومدى التقاطها للمعطيات الداخليّة والخارجيّة.


وحتى تنتظم الأمور في سياقاتها ومساراتها الصحيحة والمجدية فإنه يجب، كضرورة وطنية، أن يتوافر «الرابع» على أمرين أساسيين ومهمين، بل ومفصليين، هما: أولاً: خطاب موحد بمطالب مدروسة ومحددة، متوافق عليه من المكونات المعترضة، لا هيمنة فيها لطرف على آخر، ومثل هذا التوافق كفيل بالوصول إلى قواسم مشتركة بين أوسع شريحة ممكنة.


ثانياً: حاجة «الرابع» إلى قيادة، أو مجموعة قيادة، وهذه، أيضاً، تحتاج إلى توافق على شخصيات وازنة، لا متكسبة أو مستثمرة بالحالة، لأن المطالب المتوافق عليها تحتاج من يعرضها بمصداقيّة ويدافع عنها ويبررها، ولديه حجة مقنعة، وقوة برهان. إن بقاء الحالة الراهنة لـ «الرابع» بلا خطاب مطلبي موحد، وبلا قيادة واعية مدركة، تدافع عن تلك المطالب سيخلق التباسات وتباينات، ويؤدي إلى غموض، ويفقد القضية مسارها وأنصارها وزخمها.


وهذا يعني أن مجموعة، أو مجموعات، «الرابع» بحاجة إلى وقفة تأمل وتفكير، ولحظة تقييم وتحليل لكل الحالة؛ حالة «الرابع»، وحالة الوطن وما يواجهه من ظروف إقليمية وتداعياتها، ومن شأن الوقفة المتأملة والتفكير الهادئ المتزن أن يخلص إلى استنتاجات توسع زوايا النظر وتتجاوز القشور إلى النظر في العمق، فمثل هذا، إن حدث، سيدفع الجميع إلى إعادة ترسيم الحالة الوطنية، وتفاصيلها من جديد، وبما قد يؤدي إلى تعديل في آليات التعبير وأدواتها ومضامينها.


ويمكن للاستنتاجات، وما قد تأتي به من أفكار، أن تلحظ التباين في الخطاب، وتعدده وإشكالاته وتشابكاته، وربما تلحظ، أيضاً، أن الاستجابات المتدرجة، أفضل وفيها سلامة الوطن، ففي ثنايا القفزات تكمن المخاطر، والمسّ بالرمزيات أكثر تلك المخاطر. نعم، الإصلاح ضرورة وطنية، والجميع يتحدث عنه من أعلى درجات المسؤوليّة إلى عامة الناس، أفراداً وجماعات، وبعض خطوات الإصلاح بدأت، وقد لا تكون كافية، لكنها ماضية في طريقها.


وما يعظم مسار المعالجات أن يتوافق الجميع على أن الإصلاح المنسق والمحكم ينتهي إلى نتائج إيجابيّة ومجدية، وأن الإصلاح تحت الضغط الشديد لا تضمن نتائجه، ويصعب تقدير تبعاته.

لهذا، فالحوار أساسي، وشرط موضوعي لإحداث الإصلاح، والحكومة بمقدورها فتح قنواته، وعلى المعارضة القبول به وبأرضيته الوطنية، وألا يكون الحوار غاية بل وسيلة وصول إلى توافقات ورؤى تستجيب لحاجات الوطن، وتحفظه كذلك.

الحوار العلني أو في قنوات خلفية، حاجة وطنية، وتخندق أي طرف عند رأيه وموقفه وقناعاته، لا يصبّ في صالح أحد، والأهم أنه لن يصب في صالح الوطن ومنعته

gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة