ربما بعد ثلاثة أو أربعة أجيال، سنجد من يتندر على ما ذهبت إليه سلطات الدولة مجتمعة، قبل أيام، بتغليظ العقوبات بحق المعتدين على المعلمين وأعضاء هيئة التدريس في الكليات والجامعات، كما الأطباء والممرضين، وذلك بعدما استفحلت هذه الظاهرة خلال سنوات العقد الأخير، ووصل الوضع حد أن ارتطمنا بالحائط مع ازدياد حجم الظاهرة واتساع نطاقها، فلم يجد صانع القرار بداً سوى أن يذهب إلى خيار 'تغليظ العقوبات'.
من المخجل للمجتمع الأردني أن لا تجد الدولة من حل لهذه الظاهرة إلا التشريعات، وبإفراد مادة متكاملة تخص بالاسم الاعتداء على تلك الفئات، وضمن قانون العقوبات؛ ما يؤكد بالفعل شدة الحرج من استفحال هذه الظاهرة. وفي الوقت الذي لا يمكن أن تضع الدولة شرطيا لحماية كل طبيب أو أستاذ جامعي أو معلم، فإن خيار تغليظ العقوبات هو الحل الوحيد الباقي الذي يشير، في الوقت نفسه، إلى ما وصل إليه المجتمع من ضعف في القدرة على الضبط الاجتماعي الذاتي.
أفراد الفئات المهنية الذين يتعرضون للضرب والاعتداءات، هم ممن يؤدون مهناً من بين الأنبل إنسانيا، سواء الأطباء والممرضون أو المعلمون أو أساتذة الجامعات. فيما لم نسمع عن اعتداءات أو ضرب يقع على أصحاب مهن أخرى، عادة ما نشكو من سوء جودة مخرجاتها في قطاعات أخرى.
الملاحظة المهمة الأخرى والمشتركة بين المهن الأربع المستهدفة بالضرب، هي أن 90 % من حالات الاعتداء تحدث على العاملين بهذه المهن في القطاع العام، وليس في القطاع الخاص؛ ما يشير مباشرة إلى ضرورة ربط هذه الظاهرة بتراجع مكانة الدولة وهيبتها لدى المجتمع، والذي يعاني، هو الآخر، من اختلالات متعددة. فعلى سبيل المثال، معدل حالات الاعتداء على الأطباء والممرضين، خلال السنوات الخمس الأخيرة، هو نحو 60 حالة سنويا، معظمها وقع بحق عاملين في القطاع العام. والاعتداء على الموظف أثناء أدائه عمله، هو اعتداء على هيبة الدولة. ومع هذا، وقع معظم الاعتداءات في مستشفيات ومدارس وجامعات رسمية.
السؤال الكبير: هل ستساهم هذه العقوبات في القضاء على هذه الظاهرة؟ فرص التفاؤل محدودة، لأن المحركات الاجتماعية الأخرى أقوى من القانون. فكما يحدث في قضايا أخرى، فإن السيناريو جاهز؛ إذ تعمل 'وجوه الخير' على إجبار المعتدى عليه على التنازل عن حقه، وتحفظ القضية.
وبعيدا عن الكلام العاطفي عن مكانة المعلم في المجتمع الأردني، والمقارنة بين الماضي والحاضر، فإن انتقال الاعتداءات لتصل إلى أساتذة الجامعات، هو أمر لا يعقل، نظرا للمكانة المفترضة للأستاذ الجامعي وسط طلبته. ومراجعة حالات الاعتداءات التي نالت أساتذة الجامعات خلال السنوات الأخيرة، لا تشير إلى شيء أكثر من الاختلالات الكبيرة التي نالت منظومة التعليم العالي، وفتحت الباب لطلبة استخدموا العنف في الشارع وفي ساحات الجامعات ومع زملائهم، ولم يردعوا، وكان من السهل أن يكملوا دائرة العنف مع أساتذتهم.
في إدارة الاختلالات الكبرى، وفي المراحل الحرجة، يسود اعتقاد لدى البعض بتجزئة هذه الاختلالات وأخذها للعلاج قطعة قطعة. وهو الأمر الذي لا ينظر إلى أن الاختلالات في الأصل قد تكون متدحرجة، أصلها واحد، وثمة أيضا حل واحد، قد يأخذك إلى سلسلة من الحلول. وهنا علينا أن نعود إلى المفتاح الذي يفتح عشرات الأبواب، أي القانون والعدالة.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو