شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، موجة من التعليقات العنصرية المريضة الحاقدة ضد العشائر الأردنية. وقد أذهلني أن يكون كل هذا الحقد مختزنا في البلد ضد عشائرها. وليس بعيدا عن هذه الموجة، وأسوأ منها، ما قرأناه في مواقف ومقالات مسمومة لمدّعي الحداثة، والمنبتين عن شعبنا ومجتمعنا ممن يظنون أنفسهم قد هبطوا على بلدنا من الفضاء الليبرالي، يهجسون بجان جاك روسّو.
يتكوّن الشعب الأردني من العشائر والتجمعات المناطقية العشائرية، ويقول التاريخ الاجتماعي للأردنيين أن الخلافات والصدامات بين العشائر والمناطق، كانت موجودة دائما، إلا أن هذا التاريخ نفسه يخبرنا بأن هذه الخلافات والصدامات لم تؤد يوما إلى عمليات مستفظعة، ولا أدت، إطلاقا، إلى إحداث شروخ في الوحدة السياسية للمجتمع الأردني الذي طالما تصدى للأخطار الخارجية مجتمعا بصلابة الصوّان؛ فلا يفرحنّ الطامعون فينا، وليصمت أولئك الذين انشقوا عن مجتمعهم وشعبهم؛ فالعشائر التي تتصادم هي نفسها التي تملك وسائل استيعاب الصدام، كما فعلت جاهة شيوخ الأردن في التحرك لإطفاء تداعيات ما حصل في جامعة الحسين.
ثم لاحظوا أن المطلب المشترك للمعانية والحويطات، هو نفسه. وهو مطلب حقوقي مدني بمعرفة القتلة وتقديمهم للقضاء واتخاذ الاجراءات العشائرية اللازمة لإطفاء أي تداعيات لاحقة. وعليه، فإن الاحتجاج المعاني الحويطي موجه ضد السلطات التي أظهرت عجزا وخورا في تعقّب القتلة الغامضين والكشف عن دوافعهم، والقيام، بدلا من ذلك، بحملة اعتقالات شملت أبرياء عديدين أو متشاجرين عاديين.
انطلقت جاهة عشائر الأردن من دوافع وطنية مدنية وأردنية تقليدية معا، وهي استحصلت من الفريقين على عطوة إمهال ... للسلطة لكي تكشف عن القتلة. المشكلة كلها في السلطة التي تقبع فوق الشعب، وليس في 'سلطة الشعب'.
أبسط مستويات المسؤولية الوطنية والسياسية تحتم على الحكومة الأردنية، التوصل، من دون تلكؤ، إلى تقديم رواية كاملة عما حصل في جامعة الحسين، والكشف عن القتلة، وتقديمهم إلى المحكمة. ولقد كانت جاهة عشائر الأردن كريمة مع السلطات بمنحها شهرا. هذا ما يجب أن يتم في 48 ساعة؛ فهناك شعور قوي لدى فريقيّ المشكلة بأن السلطات تعتم، على المرتكبين الذين قد يكونون مرتبطين بجهات خارجية. الأردنيون لم يعودوا يثقون بدولتهم، لا في قوتها ولا في عدالتها. وهذا هو السبب الحقيقي في حدوث الصدامات وتوسّعها. الدولة غائبة عن المحافظات، وعن القلق الوطني العام إزاء هوية الأردن ومستقبله، وعن التوتر الاجتماعي الناجم عن غياب التنمية والاستمرار في النهج المدمّر نفسه لسياسات السوق والخصخصة وسقوط العدالة الاجتماعية والفرص المتاحة أمام الشباب.
شيء آخر بالغ الأهمية يمكننا أن نلاحظه في تراجع الصدامات العشائرية في الحراك الشعبي، حين أخذت الذاتيات العشائرية والمناطقية بعدا سياسيا ديموقراطيا. فشل الحراك في تحقيق أي من أهدافه ( المحاكمة الشاملة والمتزامنة للفساد، والتنمية، ونزع القلق على الهوية الوطنية، وخلق أطر للتمثيل الشعبي في اتخاذ القرار الخ)، وكان فشل الحراك نجاحا للسلطة وفشلا للدولة التي لم يعد هناك من مناص لتجديدها جذريا. انسحاب الدولة من دورها الاقتصادي الاجتماعي، واتكاؤها على المناورة السياسية والسياسات الغامضة والقبضة الأمنية، أضعفها وأفقدها هيبتها وسمح لكل مظاهر ما قبل الدولة، بالعودة إلى الحياة.
nahed.hattar@alarabalyawm.net
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو