الأحد 2024-12-15 03:36 ص

الفكرة الغائبة

08:30 ص

أعجبني كثيراً ماقاله الشيخ حمزة منصور ، عن تهجير المسيحيين في العراق، والسعي لتهجيرهم نهائيا نحو الغرب، بحيث يتم تحميل الاسلام قباحة هذا المشهد.

في المقالة دلالات مهمة، لعل أبرزها أن موجات هجرة مسيحيي العراق لم تبدأ فقط بسبب داعش وأفعالها الاجرامية، لكنها بدأت منذ احتلال العراق من الولايات المتحدة، اذ هاجر يومها عراقيون كثيرون،والهجرات انفجرت اولا دون أسس دينية، وجراء دولة غربية غير مسلمة، اجتاحت بلداً عربياً مسلماً، فأضرت كل مكوناته.
كلام الشيخ يعني ببساطة ان الصاق التهمة بالاسلام والمسلمين، فقط، امر غير منطقي، وليس أدل على ذلك من ان هجرة المسيحيين بدأت في العراق جراء غزو دول غربية له. ماينبغي قوله اليوم ان هناك تشظية لكل المنطقة، على اساس عرقي وديني وطائفي ومذهبي، وهذا يفسر ان التشظية لاتترك احداً، وتستهدف كل مكونات المنطقة.
مبدأ البنية الاجتماعية يجب ان لايغيب عن الرأي الديني، لان تحطيم هذه البنية، وتحويلها الى بنية طبقية، بالمعنى الاجتماعي والديني، وعلى اساس مبدأ اكثرية واقليات، أمر خطير جداً، ومغرق في الجهل، في زمن باتت فيه فكرة المواطنة وحقوقها وواجباتها هي السائدة، وهي أساس سلامة الدول والشعوب، لمن اراد ان يفهم زمنه.
تهجير المسيحيين لم يبدأ بالعراق، بل بدأ مبكراً جداً، من القرن العشرين، اذ هاجر المسيحيون العرب من فلسطين ولبنان وسورية ومصر الى اميركا واميركا الجنوبية، وانفجرت موجات الهجرة لاحقا، بعد الاحتلال الاسرائيلي، وتعددت فصولها في ظروف مختلفة، ولاعتبارات متنوعة.
المنطقة تتفرج على هجرتهم بدلا من بقائهم في دولهم وحمايتهم، او حتى استيعابهم في دول عربية اخرى مؤقتاً، والسكوت على المشهد سيؤدي الى رسم صورة همجية للمسلمين، ُيوظفها اليهود، لتأكيد صدقية دعواهم ان هذه المنطقة تستحق الحرق، والتدمير عقابا على تخلف اهلها، وعدم قبولهم بأبناء منطقتهم.
بيد ان هذه البلاهة السياسية في تركهم لهذا المصير، ليست حكراً على المسحيين العرب، اذ اننا نرى ان كل المشرق العربي تحول الى مخيم لاجئين كبير، والسكوت المريب رأيناه على هجرة كل شعوب المنطقة، ومازلنا نراه في هذا الذبح والتذابح، لكل المذاهب والملل والاعراق والاديان. لم يسلم احد، والكل يعرف ان المسلم ذاته لم يسلم من سكاكين التطرف، اما لاعتبارات مذهبية، واما جراء تكفيره لاي سبب، سواء من ابناء المذهب الواحد، او بين ابناء المذهبين المعروفين، والذبح بين المسلمين أعلى بكثير من نسب الذبح الاخرى.
في دلالات كلام الشيخ حمزة منصور فكرة مهمة تقول ان تهجير المسيحيين العراقيين، او المسيحيين العرب، بدأ فعليا على يد دول غربية جراء احتلالاتها، وليس على يد المسلمين، مثلما جرى ذات الفعل على يد اليهود، في فلسطين.
الدلالات مهمة، وهي ايضا ُترتب المسؤوليات بشكل دقيق، من حيث بداية مخططات التهجير، ومسؤولية كل الاطراف، وبحيث تتحول داعش هنا، الى طرف مستجد أخير، وليس طرفا اولا، في سلسلة الاطراف التي تنفذ ذات الجريمة.
يريد الشيخ تبرئة المسلمين من هذه الفظائع،وكلامه صحيح طبعا،غير ان الاهم هنا أن النهايات واحدة، اي تدمير بنية المنطقة، وترسيمها بصورة «الجزيرة الهمجية» الواجب افناء من فيها، ومعاقبتهم، وليس مهما من بدأ ومن اختتم، لان النتيجة واحدة!.
الفكرة الغائبة عن كلام الشيخ تقول إن المساواة بين اطراف الجريمة عبر التذكير بالتسلسل، امر غير دقيق، لاننا من جهة اخرى لايجوز ان نساوي بين الاحتلال ودوافعه، وابناء المنطقة ودوافعهم، تجاه المسيحيين العرب.
مسؤولية كل طرف مختلفة، فالاحتلال يفعل كل شيء، وابن المنطقة ليس من حقه ايذاء مكون آخر، والغرب قد ُيهجّر المسيحيين لاعتباراته، ثم يتباكى عليهم، فيما ليس من حق احد من ابناء المنطقة ان يتورط في ذات المخطط، بحيث يتحول الى أداة للطرف الاول، او متمم لخططه، او يتطابق معه في النتيجة، لدوافع مختلفة. فرق كبير بين الاحتلال، وميليشيات التطرف في المنطقة، وكلاهما يقود الى ذات النتيجة من هذه الزاوية، الا ان مسؤوليتنا تبقى اكبر لردع ابن المنطقة عن هذه الجرائم.
..ويبقى رأي الشيخ مستنيراً امام كل هذه الاراء الظلامية التي نسمعها.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة