الأحد 2024-12-15 15:18 م

النعامة والرمل

10:02 ص

عندما يعتقد 37 % من الذين حضروا حلقة المناظرات العربية الجديدة التي أقيمت في عمان الخميس الماضي، أن العالم العربي ليس مكانا مناسبا للمرأة فإن ذاك يعني أن فئة غير قليلة في المجتمع تشعر بأن حقوق السيدات في العالم العربي ليست في أفضل حالاتها.

وذاك يعني أن أولئك الـ37 % لا يشعرون بأن القوانين والأنظمة المعمول بها في الوطن العربي ومنها بطبيعة الحال الأردن، غير كافية لمنح المرأة الاستقرار التشريعي والأمان الاجتماعي الكافيين.
النتيجة تدعونا لعدم وضع رؤوسنا في الرمال كالنعام، والبحث عن الأسباب والمسببات التي تجعل أولئك يرون أن المنطقة العربية ليست مكانا مناسبا للمرأة. وهؤلاء يذهبون لما ذهبوا إليه إما بسبب القوانين والأنظمة التي تحد من حرية المرأة ودورها في المجتمع حينا، وإما بسبب العادات والتقاليد حينا آخر.
النسبة غير مفاجئة لي، وربما تكون تلك النسبة أكبر في أماكن أخرى، غير العاصمة عمان، وربما تكون أكبر في دول عربية غير الأردن، وهذا يقودنا للحديث بشكل أوضح وبموضوعية عن الحقوق التي منحت للمرأة في الدول العربية ومنها الأردن.
دعونا نتحدث بصراحة، ونتفق أننا لو أردنا الذهاب باتجاه الإصلاح والدولة المدنية، الدولة التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون في الحقوق والواجبات، وحق العمل والتعليم وغيرها، لو أردنا ذلك فإن علينا أن نعمل لتغيير واقع المرأة.
وحتى نصل لذلك دعونا نقرّ أن هذا يتطلب إصلاحا حقيقيا وصارما لكل الأنظمة والقوانين التي تمنح الحقوق لفئة وتحرم فئة أخرى منها. وهذا يتطلب إصلاح منظومة التعليم من الابتدائي وحتى الجامعي، وضخ مواد ثقافية وتربوية من الصف الأول يمنح المرأة حقها كركن أساسي في المجتمع، وإدخال مواد عقابية حازمة وصارمة بحق كل من نال من المرأة حقوقا، أو انتهاكا لفظيا أو جسدياً.
ليس المطلوب دفن رؤوسنا في الرمال، وأن نقنع أنفسنا بأن ما حققناه أمر جيد، وإنما علينا الذهاب فورا لإصلاح كل ما من شأنه تكريس مفهوم المساواة قولا وفعلا.
استفزتني كثيرا النسبة التي أشارت إليها الإعلامية مي الشربيني التي قدمت المناظرات العربية الخميس الماضي واستضافت فيها البرلمانيتان وفاء بني مصطفى ورلى الحروب، عندما أشارت الزميلة الشربيني إلى أن 99 % من سيدات مصر تعرضن للتحرش الجنسي. كما استفزتني الدراسة التي أجراها الباحث في دراسات السلام والنزاعات محمود جميل الجندي، وأظهرت أن ما نسبته 53 % من السيدات في الأردن تعرضن للتحرش الجنسي بأنواعه المختلفة.
خلال المناظرة تحدثت صبايا ويافعات عن المرأة، أغلبهن ذهبن للإشارة بأن التحرش هم يومي تعاني منه المرأة نفسيا، ويسبب لهن قلقا يوميا، من دون أن يعرف عن تلك المعاناة وأثرها الذكر. ولهذا أجدني مؤيدا وبشدة لما وعدت به النائب وفاء بني مصطفى، بأن يتم تقديم مقترح لتعديل قانوني في صلب قانون العقوبات، يجرم المتحرش جنسيا، وإدراج جريمة التحرش الجنسي في صلب قانون العمل، خاصة أن بعض العاملات يشتكين من تعرضهن لتحرش جنسي في العمل.
ولكن علينا أن نعرف أن حقوق المرأة لا تقف عند وضع حد لجريمة التحرش الجنسي، وإنما المطلوب نهوض كامل بالمجتمع، وإيمان بأهمية ذلك أولا، ومن ثم أن يعمل طرفا المعادلة (الذكر والأنثى) لمعالجة الخلل التربوي والتشريعي والعرف الاجتماعي الذي يرفض المرأة، وأن تعي المرأة قبل الرجل أنها لا تقل درجة عن الذكر.
لا نريد أن يكتب في المرأة شعر فقط، ونسمعها أغاني غزل وحب، وبعد دقائق ننتهك جسدها من خلال فيديوهات وكليبات غنائية لا تعترف إلا بجسد المرأة، وإنما نريد أن يكون للمرأة مكان في الشأن العام، وأن نرى نسبة السيدات في الوظائف العامة تعادل نسبة الذكور في المنطقة العربية، فمن دون ذلك لا يمكن أن تنهض الأمة ويستقيم حالها.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة