السبت 2024-11-23 19:19 م

الهوية الجديدة للاقتصاد الأردني

08:14 ص

طالما كان موضوع ھویة الاقتصاد الأردني من حیث الھیكل والقطاعات الممیزة التي یمكن أن تشكل قاطرة للنمو موضوعا جدلیا، ولم یتم حسم ھذا الموضوع والاجابة على سؤال طالما رددناه كباحثین أو مسؤولین؛ ھل الاقتصاد الأردني خدمي أم صناعي أم زراعي أم ھو مزیج من ھذه القطاعات المختلفة والمتباینة.


الإجابة السھلة كانت التركیز على كافة القطاعات ومحاولة إبراز المیزة التنافسیة لكل قطاع حتى یتمكن من المنافسة في السوقین المحلي والخارجي، ولكن ھل نجحت ھذه المقاربة بتحقیق الأھداف المنشودة ومنح الاقتصاد الأردني صفة معینة تشكل نقطة جذب للاستثمارات؟ في الحقیقة لا، وعندما یتم الترویج للأردن كمقصد استثماري، لا یوجد في الحقیقة ”ھویة“ ممیزة واضحة یمكن الترویج لھا كنقطة أو نقاط تمیز.

ومن ھنا یتم اللجوء الى التعمیم حتى في خطاب الترویج للأردن بالتركیز على الموارد البشریة المؤھلة، الاستقرار الأمني والسیاسي، وكون الأردن بوابة الى الأسواق الإقلیمیة.

ومن الواضح أن ھذه العناصر على أھمیتھا لا تكفي لمنح التمیز المطلوب. فعلى سبیل المثال عندما تذكر دبي، یرتبط ذلك بالخدمات وسھولة تنفیذ الاعمال، وعندما تذكر كوریا أو الھند أو الصین، فھناك أشیاء ممیزة، فكوریا بلد للصناعات الدقیقة والمتطورة، الھند للخدمات والتعاقدات الخارجیة والبرمجیات ذات الكلف المنخفضة، والصین لكافة اشكال الصناعات التي تستفید من الحجم الكبیر، وھكذا، فالدول الناجحة اقتصادیا اخذت سمة معینة وقطاعات معینة وعملت على ضمان نجاحھا من خلال معاملة تفضیلیة أو توفیر للسیولة أو توفیر اشكال من الدعم غیر المباشر فیما یخص التدریب وتأھیل الكوادر البشریة واحیانا دعم الصادرات كما ھو الحال في تركیا على سبیل المثال.

ان ابرز مخرجات مؤتمر لندن وما سبقھ من تحضیرات ودراسات عدیدة أجریت من قبل العدید من الجھات المستقلة ھو أن الأردن یقترب من تحدید عدد من القطاعات التي یمكن التركیز علیھا وإبراز میزاتھا التنافسیة والتي یمكن ان تصبح ھي القطاعات التي تحرك النمو وتعطي الأردن مزایا تنافسیة.

وھنا لا بد من الإشارة إلى التركیز على عدد من القطاعات، ولا یعني ھذا اھمال القطاعات الأخرى، بل ان ھذه القطاعات على المدى البعید ھي القطاعات ذات الحساسیة المنخفضة للمتغیرات الخارجیة، والقطاعات الصاعدة أیضا ھي تلك التي تبنى على طبیعة الموارد البشریة المتاحة، فھي قائمة على انتاج المعرفة وتوظیف المھارات اكثر من اعتمادھا على مدخلات انتاج مستوردة. وھذه القطاعات التي ستحدد ھویة الاقتصاد الأردني خلال العقد المقبل معظمھا قطاعات خدمیة ویأتي في مقدمتھا السیاحة بنوعیھا الترفیھي والعلاجي ونحتاج إلى ان تصبح ھذه الخدمة متكاملة تشمل الزائر منذ خروجھ من بیتھ وصولا الى مقصده النھائي، فالحلول المجتزأة لا تنفع.

یأتي بعد ذلك قطاعات البرمجیات والاتصالات، حیث باتت لدینا بعض الجامعات التي تخرج افضل المھارات، وھناك طلب متنام على ھذه الخدمة، وھو قطاع یقبل الأردنیون على العمل فیھ اكثر من غیره من القطاعات، في المرتبة الثالثة یوجد قطاع الخدمات الھندسیة الذي یمكن ان یكون مصدرا صافیا لكافة دول المنطقة على ان یتم التعامل معھ كعنقود یشمل التصمیم، والانشاءات والتنفیذ. ولا یمكن تناسي أیضا قطاع اللوجستیات الذي یبنى على المزایا العامة للبنیة التحتیة والموقع الجغرافي ورأس المال البشري ویسند كل ذلك الخدمات المالیة والمصرفیة.

ھذه قائمة لا تنتھي ھنا، بل ھي مقدمة لكیفیة السیر لتحقیق النمو من خلال استغلال المزایا التنافسیة القائمة حالیا والمتناغمة مع الطبیعة الداخلیة والوضع الإقلیمي ومحددات الاقتصاد وكیف یمكن خلال أعوام من رسم خریطة طریق تربط اسم الأردن بمنتجات أو مزایا محددة بما یعرف بـإعادة وصف الاقتصاد وإظھار تمیزه.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة