الأحد 2024-12-15 03:36 ص

الوجوه التي نحيا بها

03:11 م

الوكيل - من ثنايا الورق إلى خلجات النفس الممتلئة بالشاعرية المنسكبة كالأحبار يتجول الفنان عبدالكريم سعدون بكل خفة ليرشدنا إلى ماء العيون وصفاء الذهن رغم كل هذه الثقوب التي توحي بفساد الأمكنة وانحسار الأبيض الناصع، فهناك رغبة أكيدة في الحياة ..حياة أفضل لكل الناس.

ذاكرة اللون: في كل يوم يلازمنا لون معين يحيل مخيلتنا للحظات عشناها يوما، تتداخل معها كلمات من قصص الروايات والأفلام وتحيطها الحان متقاطعة من أغان قديمة تحمل صورا مبهرة تكون خلفية لبانوراما تمتد لتتسع الكون كله تزيح عنا عناء ما أصابنا من هول كل تلك الأيام المظلمة …دكتاتوريات وأيديولوجيات هشمت عقولنا وأرواحنا ودجنت شعوبنا وفرقت وحدتنا وأزاحت ماضينا وحضارتنا لتخدم الأهواء الشخصية والأجندات الكبرى وما زالت توابعها تحصد الأرواح وتلجم العقول عن التفكير بشتى الأساليب والأدوات.
فلسفة الرسم عند الفنان عبدالكريم سعدون، كالفلسفة البوذية، الفراغ، الصمت والخواء، فالفراغ أصبح هو الشكل المرسوم في الكثير من الأحيان والرسم يتبدد إلى فراغ وفي أحيان أخرى يجتمع الاثنان معا الشكل المرسوم والفراغ في تناظر جميل وتوافق مدهش يتراجع الأول لحساب الثاني ويكشف كل منهما عن مكنوناته بتقابلهما الحاد في سيمفونية يدرك كل منهما دوره جيدا.
على ما يبدو: جان دوبوفي، انطونيو تابييس، شاكر حسن آل سعيد، جواد سليم جزء من ذاكرة الفنان التشكيلية مع كم كبير من الموروث العراقي الزاخر بالتجارب التشكيلية والأدبية على مر الحضارات المتعاقبة منذ آلاف السنين تتراكم في ذاكرة مخبأة تصبح فعالة في أعلى درجات الحساسية عنده، تشع كالومضات المتلاحقة بنصوص بصرية تبتعد عن السرد والوصف المباشر وتجنح إلى التمثيل بالحالات لونية وانفعالات مفاجئة تحدثها اثر الفرشاة بتقطعاتها المرتبكة أحيانا وسلاستها أحيانا أخرى في الكثير من أعماله.
… الرسم هو ، هذا ما يؤكده الفنان في مجموعته التي تحمل هذا العنوان، المكتظة بالتقاسيم والتعابير، ملامح متغيرة تحيطها خطوط حذرة وأحبار منسكبة بكل حرية، كل وجه يطالعنا بدهشة ما لقصة ما، أصبحت هذه الوجوه كالمرايا الصافية تتعكر حسب تعكر ما ينعكس على سطحها من الواقع الموجع لوطن جريح ما زال يرزح تحت وطأة الأطماع والصراعات الاثنية والأيديولوجيات والأهواء الشخصية ومتعة القتل المتفشي كالطاعون في أرجائه.
استوطنه الحلم في غوتنبرغ بالسويد ولم يعد يبارح رسوماته في رغبة لحياة أفضل وترقب ليوم أجمل ترتسم فيه ملامح مغايره تختفي العتمة ويشع وميض النور المشرق في أرجاء المكان ، وتعود بغداد منارة تهدي العابرين والتائهين منهم على شاكلة: الكتاب، الشعراء والرسامين.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة