الإثنين 2025-03-03 19:21 م

الوعي العاطفي أكثر فاعلية من الادراك العقلاني!

12:55 م

الوكيل - لقد صدر هذا الكتاب في عام 1994، لكنه عرف منذ ذلك الحين الكثير من الطبعات، وكان آخرها في عام 2008. يعتبر هذا الكتاب مهما ومثيرا للاهتمام لفهم بنية النص الخيالي. ونعتقد انه حتى لو كان المقصود منه تحليل الدراماتورجي بمعناه المحدد: المسرح وسيناريو الافلام، فإن معظم المفاهيم البنيوية المفصلة فيه من قبل مؤلفه تنطبق على الأدب تماما، لأنها تخص تحديدا الخيال أكثر من أي نوع معين آخر.

بعد أن يعرف إيف لا فنديه ‘الدراماتورجي’ على انها ‘محاكاة تعرض فعلا نبيلا’ وهي مصنوعة ‘من أجل أن ترى و/أو تسمع′، يعرض المبادئ الاساسية: ‘ إن شخص يسعى إلى بلوغ هدف معين، فتواجهه عقبات، وهذا بحد ذاته، ما يولد الصراع والعاطفة، لدى الشخص نفسه، ولدى المتفرج أيضا’، علما أن الثلاثي المؤسس للدراما-بطل-هدف-عقبة، تكتسب فعالية أكثر، إذا اضفنا إليها بعض القضايا-’ وهذا ما يُمكن الفرد في النهاية، من أن يكسب أو يخسر في قيامه بفعل ما’. وقبل ان يبدأ المؤلف في التوغل ومفصلة القواعد الأساسية للدراما ورجي، يقتبس قول للكاتب الفرنسي برنارد ماري كولتس، مثير للاهتمام: ‘ كنت أريد أن أكتب مسرحية مثلما نبني سقيفة، وأقصد هيكل مبنى، بدءا من الأساس إلى السطح، قبل معرفة بالضبط ما سوف يستودع فيه … شكل صلب بما فيه الكفاية لأجل أن يكون قادرا على احتواء أشكالا أخرى’ ووفقا له، فإن البنية الأساسية لكل دراما هي: الشخصية-الأهداف-الحواجز.
ثم يقوم بتفصيل قواعد الدراماتورجي: الآليات الأساسية ‘صراع، عاطفة، وبطل-هدف-عقبات-سمات-، وبنيوية ‘ بنية، وحدة، إعداد، لغة وإبداع، سخرية دراماتيكية، وتطور’، ومحلية ‘ عرض، نشاط، حوارات، وتأثير’، واخيرا يقترح منهجا للكتابة.
إن كل دراما تحتوي على صراع إما أن يتعلق في الأبطال أو إما يتعلق بالمتفرجين. وفي جميع الحالات، يجب أن يكون المتفرج ‘القارئ’ على علم وفهم لمصدر هذا الصراع. إن كل صراع يُنتج العاطفة أو المشاعر، التي تعتبر في الغالب من المحرمات في الحياة، لكنها مسموح بها في الدراما. ومن جهة النظر هذه، وعلاوة على ذلك، يعتبر الأدب أكثر قوة لأنه يعمل على تمرير الألم الجسدي أيضا، بالاعتماد على مخيلة القارئ. وهناك نوعان من الصراع:
ـ الصراع الساكن ‘الذي يعيش بسلبية ‘
ـ والصراع الديناميكي ‘الذي يعيش بنشاط’
يجب عدم الخلط بين العرض المشهدي ‘المستعمل أكثر تحديدا في السينما’ والصراع. إن العرض المشهدي يجذب ولهذا عليه دائما أن ‘يبذل المزيد من الجهد’، ويخضع لظاهرة التآكل والاجترار. مثلما ان الصراع أيضا هو عنصر تحديد، لأن العاطفة تولد الشفقة وفي هذا المعنى، أن الضحك يعتبر عاطفة أيضا’، حتى في مواجهة الشخصية البغيضة. إن هذا التحديد يمكن أن يكون مفاهيمي أو عاطفي ‘وان إمكانية تحديد الشخصية المثيرة للاحتقار، لا يسمح بالتحديد المفاهيمي’. إن تحديد ‘السيىء’ يشرح أيضا السحر الذي يمارسه الشر على كل شخص. إن ظاهرة ‘التنفيس′ هذه، ومبدأ التطهير قد وضع من قبل أرسطو في المقدمة. ولكي تُمارس هذه الوظيفة العلاجية، يجب على الشخصية أن تعيش الصراع أيضا وأن لا تكتفي بأن يعيشه الآخرون.
إن الكتاب ضخم، ويتألف من 600 صفحة، ويعتمد على 1400 من الأمثلة: ‘الأفلام، المسرحيات، والأوبرا والمسلسلات أو الصور المتحركة’، ويقوم بتحليل اثنين منهم بشكل كامل: مسرحية ‘مدرسة النساء’ لموليير، وفيلم ‘La mort aux trousses’، للفريد هتشكوك، وهكذا يذهب إيف لافنديه أبعد من ذلك … بطرحه عدة أسئلة أساسية، مثل: لماذا لا نستطيع العيش من دون قصص ؟ ولماذا تقوم الدراماتورجية بإغوائنا بإتقان؟ هناك العشرات من الكتب التي تحاول أن تصف لنا ينابيع الدراماتورجية، ولكن قليلة هي التي تستطيع الإجابة على هذه الأسئلة الجوهرية. إن هذا الكتاب المثير للاهتمام يتطرق إلى هذه الأسئلة بعمق، حيث يؤكد فيه المؤلف على أن ‘جميع الأعمال التي تعتبر رئيسية تحميها آليات ثابتة. وهذا ليس مستغربا. إن الدراما تقلد حياة البشر، علما أن هذه الحياة في الأساس هي نفسها منذ آلاف السنين، منذ حتى الطقوس البدائية، ومنذ ذلك الحين، والإنسان:
-يلد مع دماغ قوي بما فيه الكفاية، ليصبح على بينة من نفسه.
-يعيش سلسلة متوالية من الصراعات والمشاعر السلبية، وإثنين من أهمها هما القلق والإحباط، اللذان يرتبطان على وجه التحديد في وعينا بعجزنا.
-يعيش سلسة من الصراعات التي تحمها العلاقات السببية ونتائجها، والأكثر أهمية هي استمرار الحياة، الولادة، والموت.
-يستقبل آليات الدراما في نفس الشروط الأساسية، التي تعتمد على هذه الثوابت، التي تخص مئات المليارات من البشر الذين استوطنوا هذه الأرض منذ نشأتها’، باستثناء ‘الحوادث الوراثية’.
وينجم عن هذه ‘الشروط الأساسية’ ثلاثة احتياجات تحاول الدراماتورجية الاجابة عليها:
ـ حاجة عاطفية: (إن الدراماتورجي، مثل الخرافة أو اللعب الرمزي، تسمح للإنسان بامتحان عواطفه ‘وخاصة القلق الإحباط’، لاستكشاف، وترويض، المتعة العليا، من ثم السيطرة عليها).
ـ حاجة إلى معنى: (من المرجح أن مبدأ السببية يتوافق أكثر من المتعة، لدى المشاهد، ويعتبر بالنسبة له ضرورة أساسية. إن الإنسان حيوان ديني، بالمعنى الاشتقاقي للمصطلح، وهذا يعني، إنه بحاجة إلى معنى وتوجيه، ونظام، وصلة). بلا شك أن هذا الكتاب نفسه يجيب على حاجة النظام هذه. بالنسبة للبعض، إن الدين هو الذي يلبي هذه الحاجة. ويقول كلوديل: إن الحياة بالنسبة للإنسان المؤمن، ليست بسلسلة غير متماسكة من الاجراءات المبهمة وغير الكاملة، وإنما هي دراما دقيقة تحتوي على نهاية ومعنى. والآخرون، الذين لا يستطيعون أن يجدوا في الحياة معنا ميتافيزيقيا، يتوجهون إلى العلم، ويرون أن الحياة تحكمها السببية بقوة. ونحن نرى إن بإمكان الدراما أن تمتلك جوهرا دينيا، سواء كان ذلك بالنسبة للمؤمن، والملحد.
ـ حاجة التسلية أو الإلهاء: إن تعريف التسلية أو الإلهاء، هو تحويل انتباه الفرد، وجعله ينسى هذا الذي يشغله. ويتم إنتاجها من قبل العاطفة، التي يثيرها العمل، وإن هذه العاطفة، تُنتج بدورها من قبل الصراع-الثابت ‘المعاش سلبيا-أو متحرك-معاش بنشاط؛ داخلي- بسيكولوجيا-أو خارجي ‘أو مشهدي مذهل’ ما هو أصلي، بمعنى نادر، ولهذا السبب هو، يجذب، ويسلي، وحتى في بعض الحيان يسحر أو ينوم المشاهد’ ومع ذلك، كلما ازداد وجود الصراع، كلما كانت هناك تسلية وإلهاء. وهذه ظاهرة مهمة لا بد من بحثها. إن التسلية تسمح للإنسان بأن يكون في مكان آخر، بعيدا عن نفسه، وهذا يمكن أن يكون بالنسبة له مريحا. إن الإنسان في هذا الذي يسميه ‘إريك بيرن’ سيناريو ‘الحياة’ بلعب بضعة أدوار صغيرة، وهي ذاتها على الدوام. هناك سيناريوهات خاسرة، وسيناريوهات غير رابحة، وسيناريوهات رابحة، وللأسف، أن هذه الأخيرة، تمثل الأقلية. إن الإنسان الذي يذهب إلى المسرح أو السينما لديه الإمكانية، لأن يضع نفسه محل الشخصية الأكثر ربحا منه، ولمدة ساعتين. ‘وهذا ما يفسر نجاح الابطال العنيدون الذين يفوزون في النهاية’. وبإمكاننا التفكير بإن كلما كان هناك سيناريو خاسر لدى الإنسان-أو فترة خاسرة-كلما احتاج أكثر لأن يتماثل مع بطل رابح’. ويعترف إيف لافنديه، بكل تأكيد: (بإن الدراماتورجي، ليست بالنشاط الوحيد والفريد الذي يلبي حاجات المعنى، والعاطفة والترفيه. فالألعاب بكل انواعها، تستخدم من أجل ذلك في المقام الأول، وكذلك الرياضة، إن لعبة كرة القدم بإمكانها أن تسلي وأن تثير العواطف، وإن لم تكن كاملة في معانيها). ولكن الدراماتورج يجيب أو على الأقل بإمكانه الإجابة، على هذه الاحتياجات بكثافة لا مثيل لها. وربما هذا ما يجعله ضروري. وهكذا، لا يكتفي ‘إيف لافنديه’ على طول وعرض كتابه، بوضع قوانين دراماتورجية: ويشرح أهمية هذه القوانين بالنسبة للإنسان، بعيدا عن الشكليات، ‘(بالرجوع بشكل منتظم إلى التحليل النفسي، والتحليل المعاملات، وإلى العلوم، والاقتباس من الفنانين ….)، والإعلان عن العديد من الفروق الدقيقة والاستثناءات.
ـ لا يمكن ان يكون هناك انبعاث ما لم يكن هناك موت يحلل لافنديه، على سبيل المثال، تأثير ما يسميه ‘بالهيكل المعدل’. إن الهيكل الكلاسيكي لمسرحية أو فيلم يقدمه هكذا: الفصل الأول منظر ديكور، يعرض جزءا كبيرا من الشخصيات، ويصف الأحداث التي من شأنها أن تجعل البطل يرغب في شيء ما، وتحديد هدف. ويحتوي على الحادث المحرك، (للحدث الذي سيكسر روتين الحياة المستقبلية للبطل، ويخلق لديه عدم توازن وتصميم على تحديد هدف).
الفصل الثاني: يحتوي على محاولات البطل لبلوغ هدفه ‘وهذا ما نسميه بالفعل’. ويبلغ أوج ذروته، عندما تقف أمامه ‘أقوى وأصعب العقبات’.
الفصل الثالث: يصف ظروف وعقبات العمل. إن ‘الهيكل المعدل’ يضيف جرعة مسرحية على بداية الفصل الثالث لإحياء العمل’. و’إنه يوفر انتعاشا قويا ومجزيا في الكثير من الأحيان’. ولكن، في الحالة التي يكون فيها الجواب الدراماتيكي ‘لا’ (جواب على السؤال: هل سيبلغ البطل هدفه؟) والثاني ‘نعم’، يمكن ان يكون في ‘الهيكل المعدل’ معنى أعمق بكثير من ذلك. لأنه، وبشكل عام، يحول خيبة أمل المشاهد إلى سعادة بجعل هذا التحول منطقيا. وبطريقة أو أخرى، إن الهيكل المعدل من النوع الأول ‘لا’ والنوع الثاني ‘نعم’ يذكرنا بان بإمكان الشيء السيىء أن يكون جيدا، (وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم)، وإن بإمكان لحظات الشدة أن تنشأ المتعة والنجاح، وبعبارة أخرى، لا يمكن أن يوجد انبعاث ما لم يوجد هنالك موت (بمعنى مجازي: الفشل، الاكتئاب، والرفض …). ومع ذلك، ليس هنالك حياة أكثر من الولادة الجديدة. وإن النوع الأول ‘لا’ والثاني ‘نعم’ للهيكل المعدل هما دلالة على التفكير الإيجابي. ثم يكرس ‘لافنديه’ في مكان آخر، فصلا كاملا عن الكوميدية، التي يعتبرها ‘الأكثر ثراء وعدلا’. (في التنكيل بغرور الإنسان)، (وبوقوفها ضد النخبوية)، ويرمز إليها بالمهرج، ذلك ‘الإنسان الأكثر وضوحا’، الذي يرى الجميع بوضوح ‘من خلال اللعب’، ويكشف عن ‘عيوب رجال السلطة، ويعرف ‘لافنديه’ الكوميدية من خلال المسافة التي تأخذها اتجاه الأشياء، بقوله، (إنها بمثابة وسيلة لعدم أخذ حياتنا محمل الجد، وألا نشعر بعدم الرضا من مصيرنا، وتجعلنا نعترف بقصورنا ومحدوديتنا، وتساعدنا على القبول بها’.
ـ إن التجربة والمشاعر تحول الإنسان أكثر من الخطاب.
يحث إيف لافنديه في هذا الكتاب، وبشكل خاص، المؤلفين على التفكير بالمسائل الأساسية: لماذا لدي الرغبة في حكاية هذه القصة؟ ما هو موضوع هدفي؟ وتجنب (اختصار القصة لنفسها بشرح وتفسير فكرتها، والبرهنة على اطروحتها. ولكن إذا كنا لا ننسى خلق الإثارة والاهتمام لدى الحضور (بطل-هدف-عائق، على سبيل المثال)، فمن المرجح الوقوع في الشروحات التي نكتبها كمؤلفين في النص ليتقيد بها المخرج والممثلون). إن العاطفة، بكل تأكيد، هي التي تسمح للدراما بالتأثير على المشاهد، (إن التجربة، على وجه الخصوص، والعاطفة، يحولان، الإنسان بالتأكيد أكثر من الخطاب. وإن ‘الوعي’ العاطفي أكثر فعالية من ‘الإدراك العقلاني’. وقد أثبت جان بياجيه ، بإن التجربة الفعلية هي التي تحدد التغيير في طريقة نظرتنا واستجابتنا للواقع، وتقودنا إلى تغيير تفكيرنا، وليس العكس. والحالة هذه، إن مشاهد العمل الدراماتيكي يعيش تجربة عاطفية بتماثله مع البطل وعيشه جزءا من صراعاته. تجربة لا تمتلك قوة التجربة الحقيقية، ولكنها من المحتمل أنها تترك آثارا).


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة