السبت 2024-12-14 07:38 ص

« تجارة الاجل» .. والبوصلة التائهة ..

08:28 ص

كتب : أحمد حمد الحسبان

قبل عقدين او يزيد، ظهرت في الأسواق تجارة على شكل لعبة، مضمونها ان تحصل على ورقة يانصيب، بسعر محدد، ثم تبيعها الى عشرين شخصا، وكل واحد منهم يبيعها الى عشرين .. وهكذا .. مقابل مبلغ تحصل عليه بعد ان يصل عدد مشتري البطاقة ذاتها الى رقم معين ... وضمن تسلسل يراعي اقدمية الشراء.


بعد ظهورها بعدة اشهر تدخلت الجهات المختصة ومنعت هذه اللعبة باعتبارها احد أساليب المقامرة أولا، وفيها قدر من النصب والاحتيال ثانيا، والزمت أصحاب هذا المشروع بإعادة المبالغ الى أصحابها، وأغلقت» الدكاكين» التي تتولى اصدار مثل تلك الاوراق.

وقبل عدة أعوام، ظهرت تجارة ما يسمى بـ» البورصات»، امام اعين الحكومة ومؤسساتها وأجهزتها المختلفة دون ان تحرك ساكنا، الامر الذي اعطى ايحاء بانها تجارة مشروعة ومضمونه، ولدرجة ان البعض من الأشخاص حصلوا على سلف من البنوك ووظفوها في تلك التجارة المزعومة، والبعض من السيدات قمن ببيع حليهن، والبعض باع مواشيه .. وهكذا ...

وجاء تدخل الحكومة متاخرا .. وما زال البعض يعاني من تبعات تلك القضية التي اثرى البعض من أصحابها على حساب الغالبية العظمى من الناس. الآن .. هناك قضية تجارة الاجل، او ما سمي « التعزيم» نسبة الى مؤسس تلك التجارة في لواء البترا ... حيث استمرت التجارة اكثر من خمس سنوات، وحصد التجار الأخضر واليابس مكررا عدة مرات، قبل ان يتم الإعلان عن انها تجارة غير قانونية وغير مامونة. المهم هنا ان سكان لواء كامل وجدوا انفسهم « على الحصيرة»، وباعوا كل ما لديهم من مقتنيات واملاك، وامتدت الحالة الى مناطق أخرى .

ويروى في هذا السياق ان احد الأطفال باع دراجته الهوائية، واحدى السيدات باعت» دجاجاتها» ، والكثير من الأشخاص باعوا ارضهم ومنازلهم وسياراتهم مقابل شيكات مؤجلة. المعنيون من سكان اللواء يبنون حجتهم التي وصلت حد الصدام الى ان سكوت الحكومة طمأنهم بان تلك التجارة مشروعة وقانونية، بينما الحكومة تلوذ بالصمت، وبين هذا وذاك من يعتقد ان وراء تلك التجارة متنفذون نجحوا في توفير الحماية وغض النظر عن متابعتها لفترة من الزمن كانت كفيلة بان يتم حصد كل اخضر ويابس في اللواء.

في المقابل فإن رد الفعل الشعبي يبدو غريبا في الكثير من جوانبه، ذلك ان بعض الحراكات الاحتجاجية كانت ترفع شعار رفض التدخل الحكومي، والاعتقاد بان التدخل يمكن ان يعيق حصولهم على أموالهم، معتقدين ان « تجار الاجل» قادرون على رد تلك الأموال لولا التدخل، وهي حجة لا يمكن الركون اليها بحكم ان التجارة ذاتها تتناقض مع كل منطق، ويكفي التدقيق في آلياتها للتوصل الى قناعة تامه بانها نوع من الاحتيال.

فما معنى ان تجد من يشتري السلعة بأكثر من سعرها « بشيك مؤجل» .. ثم يبيعك إياها باقل من السعر» نقدا»... ولاكثر من مرة، بمعنى ان البعض باع واشترى نفس السيارة لعدة مرات. بالطبع لا يوجد من يخلي الطرف الحكومي من المسؤولية ..

لكن في الوقت نفسه لا اعتقد ان من الحكمة ان نواصل البكاء على الاطلال، فقد بات من الضروري الخروج من المأزق باقل الخسائر، وهنا لا بد من تدخل العقلاء من اجل التهدئة .. ومتابعة إجراءات هيئة مكافحة الفساد التي وضعت يدها على الملف واتخذت المزيد من الإجراءات ومنها توقيف من لهم علاقة بالقضية، والتحقيق معهم وحجز ممتلكاتهم، والسير بكل الإجراءات ضمن الاطار القانوني الذي لا يمكن تجاوزه.

وفي الوقت نفسه اعتقد ان على الحكومة ان تضع حدا للغط المنتشر في منطقة البترا وغيرها .. بحيث توضح التفاصيل وترد على الشائعات التي باتت تشهد نوعا من المبالغة والى درجة الاعتقاد بان تلك التجارة مؤامرة خارجية هدفها الاستيلاء على أراضي البترا. إضافة الى ضرورة تفعيل مبدأ المسؤولية الحكومية عن مثل تلك المخالفات والجرائم المشابهة ما لم تقم بمنعها والحيلولة دون حدوثها أصلا، وبحيث لا نفاجأ بعد عام او عامين بتجارة جديدة على شاكلة» البورصات وتجارة الاجل» .. وقبلها تجارة « دكاكين اليانصيب» او ما يطلق عليها» أوراق الحظ المشتركة».


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة