السبت 2024-12-14 11:29 ص

تحية رجال الصحراء للعربي عبد الباري عطوان

11:18 ص

الوكيل - ‘الكلام فضة
والشعر ذهب
والنساء رنين المعدنين

والقصائد
لغتنا من الآن فصاعدا،
لنبدأها إذن دونما استعارات أو تهويل
ولننظر إلى الأشياء الحية بيننا
بكثير من التبجيل’. (أمجد ناصر/ نشيد وثلاثة أسئلة)
.. أشهر قبل امتلاء خزائن البنوك الأوروبية بورق ‘اليورو’؛ الثمل، في ‘عز′ عسل تطبيع العقيد، مع قتلة البطل عرفات، في الربيع الثاني من لفظ الإستبداد لجسدي خارج بلدي.. في ساعات ممتعة من آخر ربيع جاد به القرن العشرين، طالت صولتي بلاد الملكة؛ ‘المالكة’ فقط.. من وسط باريس، حيث تلتقي دوائره الحمراء، بتلك المترفة بفعل تراكم امتيازات ‘نبلاء الفدان’، من محطة ‘الأسد’ انطلقت في كرش ‘الأورو ستار’، نحو أطلال شظايا حسام ‘نابليون’، حيث الشؤم وسوء الطالع يكاد يختلط بحظ الذاكرة من ملحمة ‘واترلو’، التي أعطت نخوة الإنكليز اسمها أكبر محطات مدينة الضباب؛ والشاي الذي لا ينتهي تدفقا.
كنت أحمل ‘توكيل شرف’ من ‘نخب المنفى’، لمناصرة ‘القدس العربي’ أمام المحاكم البريطانية، بعد الشكوى التي تقدم بها نظام الدكتاتور الطائع (1984/2005)، إثر نشرها لفضيحة دفن ‘النفايات النووية’ بصحراء ‘لمريه’ وسط الأراضي الموريتانية، والتي شهدت منذ عام تقريبا تشييد أول قاعدة عسكرية جوية موريتانية، بمطاراتها وثكناتها.
مابين الصحف المكدسة على مكتب خشبي، استقبلتني السكرتيرة، التي كنت أتصورها خلال محادثات عديدة عبر الهاتف، في طابق زجاجي كامل، به حشدت أحدث آليات التكنولوجيا، ترافقها لوحات ‘تايوانية’ النسخ، وزهور بلاستيكية؛ منعدمة حياة الروح.. كانت تشبه موظفات ‘القاهرة’ ومدرسات ‘مراكش’ وممرضات ‘نواكشوط’.. طفح حضور الأستاذ على صوت السكرتيرة المسترسل ترحيبا من مكتب مشرق التواضع بـ ‘لندن’، تقدم خطوات وصدى صوته يرفع الترحيب والإحتضان في أشرف بيت عربي بالمملكة المتحدة، احتضنني بحرارة المشرقي الهارب من غول الثقافة الباردة والمجاملات الوثنية.
حدثني بمتعة فائقة عن بعض فصول صمود جيله، وتحديه لغياب حيز الحرية في المجتمعات العربية، وتعالي النخب الغربية الصهيونية، عن الشعر حدثني كثيرا وعن تفاصيل جمال الموائد الإيطالية، التي يزور كثيرا بمدينة ‘بكبن’، عن ‘القدس العربي’، عن الصمود الفلسطيني أمام الإحباطات العربية المتكررة، وعن ارتهان وفساد ‘نخب’ نفد صبرها، فهجرت القضية، عن الحياة، عن الصحراء ومعتوهها المطبع الجبان، عن ملاحقة الموريتانيين له على شارع ‘الشانزيليزي’، معبرين عن إعجابهم بمواقفه الشجاعة اتجاه قضايا الأمة، عن مقابلاته الصحفية مع ‘الشيخ’ أسامة بن لادن…
واصلنا الحديث على مائدة احتضنت لحما وبهارات وأرزا معسولا، في مطعم باكستاني وثير يعج بالألوان الناطقة والحركة الصامتة.
تعرض الأستاذ عبد الباري عطوان، وصحيفة ‘القدس العربي’ لضغوط كبيرة، وقدر لا يستهان به من الترغيب والترهيب من طرف نظام ولد الطائع، الذي قررت شرطته السياسية، بعد اليأس من ‘تطويع′ العملاق عطوان، حظر توزيع ‘القدس العربي’ بموريتانيا أواخر 1999، حتى سقوط الدكتاتور 2005.
تمكنت ‘القدس العربي’ من توحيد جميع القوى التقدمية بموريتانيا، من خلال تصدرها رأس حربة مقاومة ‘التطبيع′ الموريتاني، مما ترتب عنه ملاحقة الصحيفة أمام القضاء البريطاني، من خلال إجراءات طويلة ومعقدة، أوشكت على القضاء على الصحيفة بسبب التكاليف المالية الباهظة للملف القضائي.
رغم اختلافي مع أستاذي في ‘تقييم’ بعض القوى السياسية في العالم العربي، إلا أنه وفق، مع آخرين وباستمرار في تحويل العالم العربي إلى ‘مختبر أفكار’، تقدمية شجاعة، جسدت عرين الصمود في وجه عقود الاستبداد والنهب.. وقتل الإنسان العربي، بعد تمريغ كرامته في وحل الهوان.
سيذكر التاريخ، الأستاذ عبد الباري عطوان في صفحاته المشرقة من صمود النخبة العربية بمنطق حضاري، يليق بثقل وطأتها الحضارية المتلاحقة؛ دهرا.
في ‘القدس العربي’ نقرأ لجميع النخب العربية، وعن مجتمعاتها، التي ترد بوفاء نادر.. فالمهاجر العربي في أوروبا وآمريكا، وحتى إفريقيا، يقبل على اقتنائها، تاركا ‘كبريات’ الصحف العربية متراكمة في حيز ‘البطاقة البريدية’، التي تبدع نخبنا إيصالها للآخر!
ربع قرن من العطاء الجميل المتواصل، يكفي ويزيد قليلا، ليخلد عطوان شامخا كـ ‘صدر’، للمتنبي، عاليا كهامة ‘المعلقات’، خالدا؛ كفردوس الشعر.. مع ذلك تكبر حاجتنا في الاستمتاع بـ’رواية’ المسار والتضحيات، وإبراز دور ‘النخب’ في الصمود من خارج الأسوار ‘المحمية’ ببارود الجبن وحبر الجهالة.
أعتز باحتضان صفحات ‘القدس العربي’ لنصوصي وبانتظام منذ أكثر من عقد من الزمن، تفاعلت خلالها مع القارئ العربي، حول الحياة السياسية والثقافية لموريتانيا.
أستاذي عبد الباري عطوان، رغم الاستقالة؛ ما زلنا نحتاج ‘جلد’ قلمكم لعقولنا الممتلئة بالخرافات، و ‘تقويم’ سلوكنا الذي سكنه الاستبداد.
من قلبي .


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة