الرئيس الأميركي في وادٍ والعالم في واد آخر؛ الأول مصرّ على تغيير الوضع القائم لمدينة القدس والإقدام على خطوة مجنونة ستقلب استقرار المنطقة وتهدد ما تبقى من بعض سلام فيها، فيما كل من يمتلك الحكمة يحذر من هذا الجنون، ويعتبره خطوة تنسف المواثيق والتفاهمات الدولية، ويوسّع الفجوة بين الفلسطينيين وإسرائيل، ويهدم ما تبقى من أمل للوصول إلى سلام عادل بين الطرفين.
الرئيس يصر على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، منكرا أنها أرض محتلة لا يجوز تغيير الوضع القائم فيها حتى بموجب 'قرارات' أميركية رعناء لا تستند إلى أي عقل، مزدريا فيها الشرعية الدولية، ليستبدلها بشريعة الغاب التي يأخذ فيها القوي كل شيء، تاركا للضعفاء أحزانهم وآلامهم.
الرفض للقرار لم يأت من العالم الإسلامي والعربي فقط، بل من أوروبا ومن البابا بنفسه أيضا، فكل من يملك قليلا من الحكمة سيدرك المخاطر الكبيرة التي تولّدها خطوة كهذه، فالقصة لا تتوقف عند شجب رسمي واحتجاجات شعبية، بل هي تزيد الاحتقان في المنطقة المتفجرة أصلا، كما أنها تعزز من صورة الولايات المتحدة كعدو للشعوب المتطلعة إلى العدل وتقرير المصير، وإفرادها قوة حليفة للاحتلال.
الكارثة في الخطوة الرعناء أنها لا تضرب التشريعات والقوانين والمواثيق وتزدريها فقط، بل هي تفتح الباب واسعا لجعل المجتمعات أكثر راديكالية، وتنسف جميع ما تحاول دول المنطقة تعميمه من نشر التسامح والتخفيف من الفكر المتطرف، والذي شاع نتيجة عدم العدالة في التعامل مع قضايا المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهو الرأي الذي شدد عليه جلالة الملك دائما، وأعلنه من على جميع المنابر العالمية.
السؤال هنا بصراحة؛ هل تحارب أميركا الإرهاب أم تصنعه عن سابق إصرار بمثل هذه القرارات الهوجاء، ومن دون أن تتطلع إلى ما يمكن أن يكون تأثيرها على سيكولوجيا المواطن العربي الذي طالما كان غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية سببا في اجتذاب الجماعات المتطرفة له! فطالما بقيت القضية الفلسطينية معلقة بين الرجاء واليأس، ويؤجَّل الحل العادل لها، والظلم يستفحل، ستبقى البيئة مواتية لكل المشاعر السلبية التي تطلق التطرف والإرهاب والجنون.
الخطوة الخرقاء هي الوصفة المناسبة لتحفيز البيئة الحاضنة للإرهاب والتطرف، وتوفر، أيضا، سببا إضافيا لكراهية الغرب، وإن كان ترامب يظن أنه يحمي مصالحه بهذه الخطوة فإنه مخطئ تماما، بل ويضر بمصالح وأمن واستقرار العالم كله، وليس سرا أنه يخلق مظلومية حقيقية أخرى قائمة عند كل من تشكل لهم القدس خصوصية دينية أو تاريخية.
اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل لا يقل خطورة عن وعد بلفور الذي أعطى لليهود حق إنشاء دولتهم على أرض فلسطين التاريخية، وستكون هذه الخطوة نقطة فاصلة جديدة في المشهد العام للمنطقة التي يعلم ترامب أن أولويات البعض فيها هي الحرب على ايران، ما جعلهم يسقطون القدس وما فيها من أماكن مقدسة من حساباتهم.
حين يقال في المستقبل إن أميركا تصنع الإرهاب وتخلق له البيئة المواتية والحاضنة فلن يشك أحد في هذا القول، فرعونة ترامب بما أقدم عليه خير شاهد على هذا الرأي، وسنعلم بعد حين التداعيات الخطرة لسياساته التي تمنح التطرف دفعة إلى الأمام، وتوفر الحجة للإرهاب لكي يعبّر عن نفسه بوضوح بين صفوف شباب المنطقة الذين باتوا ينظرون إلى أميركا كعدو واضح يعمل عكس تطلعاتهم القومية والدينية.
في العام 1995 جاء قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، غير أن القرار لم يجد مستوى من الجنون الكافي عند أي رئيس أميركي سابق ليقوم بتنفيذه، حتى جورج دبليو بوش الذي بقي طوال فترتيه الرئاسيتين يشن الحروب، كان يعلم خطورة أن ينفذ قرارا كهذا، لذلك تركه إلى غيره.. وها هو ترامب يأخذ المجازفة على عاتقه، ربما طمعا في دخول التاريخ، ولكن لن يكون هذا الدخول من الباب الواسع كما يأمل، بل بالصورة نفسها التي دخل بها نيرون التاريخ بحريقه الكبير. الفرق الوحيد بين الاثنين أن نيرون حرق روما فقط، أما ترامب فهو يخطط لإشعال النار في العالم كله!
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو