السبت 2024-12-14 08:38 ص

تطور الشخصية الوطنية الأردنية

07:33 ص

في سابقة حسنة تسجل لمنتدى الفكر العربي أنه بادر إلى طرح موضوع تطور الشخصية الوطنية الأردنية يوم الاثنين الماضي من هذا الأسبوع، حيث إن هذا الموضوع ما زال بكراً ويحتاج جهودا كبيرة من المؤرخين الأردنيين والباحثين والأكاديميين وأساتذة الجامعات ومراكز الدراسات أن يعنوا بهذا الجانب وأن يعطوا هذا الموضوع حقه من أجل إبرازه أمام الأردنيين عامة والجيل الجديد من الشباب الناشئ على وجه الخصوص، وكان المحاضر دولة الدكتور معروف البخيت الذي وصف محاضرته بأنها عبارة عن مداخلة من أجل الاسهام من اجل تنبيه الدارسين إلى طرق هذا الموضوع وإغنائه، ولقد كانت مداخلة موفقة وأنصح دولته أن يحولها إلى مشروع كتاب يستوفي معظم جوانب الموضوع بطريقة علمية وهو اهل لذلك.



يقول الدكتور البخيت في البدء يجب الالتفات إلى خلفيات ثلاث أثرت بشكل مباشر في تشكل الشخصية الأردنية ورسم ملامحها: البنية الاجتماعية الأردنية، والتقاليد الثقافية الاجتماعية المستندة إلى بني العشائر القبائل الأردنية المستقرة بمفهومها القيمي النبيل، والحالة السياسية التي تشكلت بعهد انهيار الامبراطورية العثمانية والاحداث التاريخية المهمة التي رافقت ولادة الدولة الاردنية الحديثة .


الجغرافيا الأردنية هي جزء اصيل من بلاد الشام ولكنها في الوقت نفسه تتأثر باتصالها بجزيرة العرب جنوباً، واتصالها مع مصر كذلك من الجهة الجنوبية الغربية، واتصالها مع العراق شرقاً، وهذا الاتصال الجغرافي الطبيعي منح البقعة الأردنية بعض الميزات الأخرى عن بقية بلاد الشام بكل تأكيد، ومنحها بعض التمازج الديمغرافي والتعددية الثقافية والتنوع العرقي ، حيث إن الأردن كانت على مدار التاريخ بوابة الهجرات العربية، ومنطلقاً للفتوحات الإسلامية وشكلت خطاً للمواجهة مع كثير من حملات الغزوللمنطقة ابتداء من الرومان والصليبيين والتتار، وما زالت مواقع المواجهة محفورة في ذاكرة التاريخ ؛ في اليرموك وبيسان وطبقة فحل ومرج الصفر، وحطين وعين جالوت وغيرها، وأصبحت الأردن عبر محطات تاريخها الطويل محلاً للتمازج الحضاري والسكاني الذي أثر تأثيراً بالغاً في صياغة شخصيتها الوطنية المعاصرة .


الأردنيون شكلوا دولتهم الحديثة في ظل حالة طوارئ تاريخية لم تتوقف منذ بدايات القرن المنصرم وحتى هذه اللحظة، ابتداء من هيمنة سلطة الاتحاد و الترقي العثمانية إلى النضال ضد الانتداب والهيمنة البريطانية، ثم الاحتلال الإسرائيلي الذي ما زال قائماً ومؤثراً في الحالة السياسية للمنطقة كلها. بالإضافة إلى شح الامكانات والظروف الصعبة في المياه والطاقة وغيرها، مما أوجد حالة من التكيف لدى الأردنيين مع حالة الندرة والظروف الاستثنائية.


ملامح الشخصية الأردنية الأولى كان يغلب عليها الطابع الريفي لدى الفلاحين الذين يشتغلون بالزراعة، وكذلك الطابع البدوي الذي تحمله عشائر وقبائل أردنية بدوية على امتداد الرقعة الأردنية، ولكنهم استطاعوا الاندماج و التعاون على بناء دولتهم الجديدة وشق طريقهم نحو تطوير التعليم والرعاية الصحية وسائر الخدمات في عصر إمارة شرق الأردن بزعامة الملك عبد الله الأول، الذي استطاع بحنكته السياسية وملامح شخصيته البنائية المتميزة الانتقال بالبلاد نحو نهضة أردنية تتقدم تدريجياً نحو معالم الحداثة في هذه الظروف الاستثنائية.


الملح المهم الذي أشار إليه البخيت في مسيرة يناء الشخصية الوطنية الأردنية انها كانت تنمو في جو سلمي يتسم بالحوار والمشاركة بعيداً عن لغة الدم والتصفية، وابتداً من مؤتمر «أم قيس» الشهير عام (1920) والذي كان يحمل مجموعة كبيرة من الدلالات السياسية العميقة رغم بساطته، ويعتبر محطة مهمة في تاريخ الأردن المعاصر، ومن ثم الانتقال إلى إعلان الإمارة عام (1921) باتفاق القبائل الأردنية مع الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك، وبدأت عملية إرساء حياة سياسية معاصرة قائمة ايجاد دستور حديث ومعاصر و على التمثيل الشعبي منذ البداية، والحرص على انشاء مجلس نيابي منتخب، ولذلك عندما تشكلت وزارة حسن خالد أبو الهدى الثالثة (17/11/1929) كانت من ستة وزراء ثلاثة منهم من المجلس التشريعي وهم علاء الدين طوقان، وعودة القسوس وسعيد المفتي.


في خمسينيات القرن الماضي حقق الأردنيون إنجازاً مهماً عندما تشكلت أول حكومة برلمانية على صعيد العالم العربي كلّه، وربما كانت آخر حكومة ايضا ، ولكن هذا الحدث يعبّر عن النضج المبكر للشخصية الأردنية والحالة السياسية المتقدمة على دول المحيط العربي .


هناك مؤسستان أسهمتا إسهاماً كبيراً ومؤثراً في صياغة الشخصية الأردنية الحديثة، وهما : المؤسسة العسكرية الأردنية التي أعادت انتاج الشخصية الأردنية وفق قواعد الصرامة العسكرية والانضباط الوطني، وهنا لا بد من الإشارة إلى معالم المدرسة الإنجليزية في مسألة التقاليد العسكرية بكل تأكيد، والمؤسسة الثانية هي المؤسسة التعليمية التي استطاعت أن تعمل بشكل موازٍ على الصعيد المدني عبر طريق العلم والمعرفة والأدب والتربية الانضباطية للأجيال على امتداد الرقعة الأردنية.


بقيت هناك إشارة لمعالم الوحدة الوطنية الأردنية، المتشكلة من مسلمين ومسيحيين، وفلاحين وبدو، وهجرات عرقية مختلفة منذ فجر تشكل الأردن الحديث، من شوام وشيشان وشركس وأكراد ومغاربة، ومن ثم هجرات الفلسطينيين على إثر نكبة الـ (48) وهزيمة (67) وهجرات أخرى لم تتوقف على إثر ما يجري من أحداث في العراق وسوريا واليمن، لكن بقيت معالم الشخصية الوطنية الأردنية واضحة و بارزة ومميزة بانتمائها الوطني الأردني وبعدها القومي العربي، وبعدها الإسلامي الواسع، والتي تتسم بالاعتدال والوسطية، والكرم والنخوة والأصالة والقيم النبيلة.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة