الأحد 2024-12-15 12:47 م

ثرثرة على ضفاف «تـشــــاو فـــرايــــــا»

03:03 م




تحت عنوان “أثر المستجدات في الشرق الأوسط على آسيا”، توفرت لنا فرصة اللقاء على مدى يومين، مع عدد من الباحثين والخبراء والسياسيين من جنوب شرق القارة وأستراليا وغيرها … فرصة اللقاء في بانكوك، كانت مهمة بالنسبة لنا، نحن الذين اعتدنا أن نتحدث مع أنفسنا في غالب الأحيان، ومع أوروبيين وأمريكيين، في بعض الحالات.


في مداخلتي قلت: أن 70 بالمائة من المسلمين في العالم، ينتمون للقارة، وهم من سكانها الأصليين، وصلتهم الدعوة بالتجارة، وليس بالسيف، ولا بقنابل “البغدادي” البشرية المتفجرة … يشكل هؤلاء ربع سكان القارة التي تضم ما يقرب من ثلثي تعداد البشرية بأسرها… كما أن أكثر من ثمانين بالمائة من المسلمين الشيعة، هم آسيويون يعيش معظمهم في إيران وأذربيجان وأفغانستان والباكستان ودول أخرى بالطبع،

بهذا المعنى، فإن هبوب رياح التطرف في منطقتنا، سيتردد صفيرها المزعج على كثيرٍ من دول القارة، وتحديداً جنوبها الشرقي فضلاً عن آسيا الوسطى، حيث الكثافة الإسلامية الكبرى… وتتوزع الحركات الإسلامية في آسيا عموماً على “العائلات الثلاث” التي تتوزع عليها هذه الحركات في بلداننا: جماعة الإخوان وتشكيلاتها والمتأثرين بها … المدارس السلفية على تنوعها، وصولاً إلى السلفية الجهادية بفروعها المتنافسة والمتصارعة والمتكاملة … وحزب التحرير الذي يحظى بنفوذ في بعض الدول الآسيوية يفوق وجوده في “بلد المنشأ”.

تاريخياً، كان لحركة الإسلام السياسي طريق ذو اتجاه واحد بين الشرق الأوسط وعموم القارة، من المنطقة الأولى إلى الثانية … لم يمنع ذلك من ظهور تأثيرات في الاتجاه المعاكس (المودودي مثالاً) … أما اليوم، فقد أصبح الطريق ذو اتجاهين … “المجاهدون” من آسيا، يتدفقون على المنطقة بالآلاف، بعضهم جاء بعوائله (الإيغور)، وأغلبهم هم الأكثر حماسة لفصل الرؤوس عن الأجساد، وتقدم صدور الانتحاريين والانغماسييين، تلك بضاعتنا رُدّت إلينا على ما يبدو.

شأننا في منطقة الشرق الأوسط، والمشرق على وجه الخصوص، فإن معظم البلدان الآسيوية، تواجه تهديد الجماعات الأصولية المتطرفة والعنيفة … على مقربة من الفندق الذي أقيم فيه على ضفاف نهر “تشاو فرايا” في بانكوك، وقعت عملية إرهابية قبل أشهر، راح ضحيتها العشرات من المدنيين الأبرياء، ورجال الأمن، يجوبون الشوارع جيئة وذهاباً في حالة استنفار قصوى، يزيد في تعقيدها أن ملايين التايلانديين، يتدفقون على القصر الملكي لإلقاء التحية على ملكهم الراحل والمحبوب، الذي لم تعرف أجيال متعاقبة منهم، ملكاً غيره، وتملأ صوره الشوارع وردهات المباني، فالبلاد في حالة حداد عام، ستستمر لمدة عام بأكمله.

اندونيسيا، الدولة المسلمة، تواجه تهديدات أكثر من غيرها، أكثر من ربع مليار مواطن، يتوزعون على ألوف الجزر، وينتمون لقوميات وأعراق وألسن مختلفة … يشكلون وضعية يصعب التحكم بها، مع أن هذا البلد خًرّج من “الجهاديين” ما يعادل 10 بالمائة فقط مما خرج بلد صغير كالأردن، وأقل من 5 بالمائة مما خرج بلد صغير آخر كتونس.

التهديد الإرهابي في آسيا، حاضر على جداول الأعمال، بيد أنه وفقاً للخبراء، تهديد أمني من النوع القابل للاحتواء، شأنه في ذلك شأن تهديدات مماثلة لدول أوروبية وعربية مستقرة … لن يصل حد “التهديد الاستراتيجي” أو “الوجودي”، فدول القارة عموماً، وتحديداً جنوبها الشرقي، تعيش موجة انتقال للديمقراطية، تصاحبها مشاريع تنمية جعلت الكثير منها ينتمي إلى بلدان “الدخل المتوسط”، وهي دول مستقرة، ونجحت في معالجة معظم مشاكلها البينية، وهي التي احتربت فيما بينها لقعود وقرون طويلة.

الإرهاب لا يتحول إلى تهديد استراتيجي، إلا في “الدول الفاشلة” أو تلك التي تقف على حافة الفشل … والإرهاب لن يجد حواضن شعبية إلا في دول “التمييز” و”التهميش”، أما الدول التي تسمح أنظمتها بدرجة معقولة من الإدماج والمشاركة والعدالة، فقد أمكن لها اكتساب ثقة مواطنيها عموماً، بمن فيهم، الأقليات الإسلامية، كما هو الحال في تايلاند وماليزيا وسنغافورة وغيرها.

غالبية الشبان الآسيويين الذين ضربتهم “موجة داعش”، تأثروا بنشاطها الدعائي الكثيف، و”ازمة المصطلحات” المتداولة في الإعلام عن “الدولة الإسلامية” و”الخلافة” و”الجهاد”، وجميعها مفردات لها “قداستها” عند عموم المسلمين العاديين، وغالبية هؤلاء تجندوا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ولأسباب تجعل دراسة كل حالة منهم، امراّ ذي أهمية بالغة … ويختلف من بلد لآخر … في آسيا الوسطى على سبيل المثال، ما زال فرسان الحقبة الشيوعية على رأس أنظمة الحكم التسلطية، وفي القوقاز، ثمة دوافع تتصل بأزمة العلاقة الروسية مع هذا الإقليم، تاريخياً، وتدفع سوريا ثمنها اليوم باهظاً … الباكستان، هي من “جاءت بالدب إلى كرم العنب”، ولغايات تتصل أساساً بصراعها التاريخي مع الهند، أما أفغانستان، فاسألوا المخابرات المركزية والعربية عن أسباب تحولها إلى ملاذ آمن لطالبان ولكل طبعات القاعدة المتعاقبة.

إن استمر الحال في منطقتنا على حاله، والأرجح أنه سيسمر لعقد أو عقدين، وسيتنقل من منطقة جغرافية إلى منطقة أخرى في إقليمنا المضطرب، فإن من المتوقع أن يتواصل التهديد الإرهابي لعدد أكبر من الدول الآسيوية، ومن المنتظر أن يلقي الصراع المذهبي وحروب المحاور في منطقتنا، بظلاله الكثيفة والكئيبة على عدد من دول القارة، ذات التنوع المذهبي والطائفي … لذلك فإن الحاجة ماسة لتكثيف التعاون والتفاهم مع تلك الدول كذلك، وعلى مختلف المستويات والمسارات، إذ يبدو أن آسيا جميعها “في الهم شرق”.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة