الخميس 2024-11-14 10:42 ص

جذور التحولات غير المكتملة

08:52 ص

یقال ان اسوأ الثورات ھي تلك غیر المكتملة لأن الثورة قد تتحول الى كارثة، السؤال الیوم كیف اصبحت التحولات العربیة منذ عقود سلسلة من الكوارث انتھاء بحالة التطبیع المجاني وبدء العد التنازلي لتصفیة الصراع التاریخي في المنطقة والخروج من مواسم ومشاریع الاصلاح السیاسي والاقتصادي بدون طائل وبالمزید من الھدر التاریخي والحضاري .


السائد في تفسیر الحالة الصعبة التي تمر فیھا المجتمعات العربیة، إحالة ھذه الأوضاع، بما تنطوي علیھ من ردة سیاسیة واجتماعیة، إلى ثلاث حلقات أساسیة.

الأقرب منھا، تحولات ما سمي ”الربیع العربي“، وما انتھت إلیھ الظروف من حالة فوضى غیر مسبوقة.

أما الحلقة الثانیة، فتعود إلى مرحلة ما بعد أحداث الحادي عشر من أیلول (سبتمبر) 2001 ،وتصاعد الحرب على الإرھاب.
فیما الحلقة الأقدم تعود إلى التسعینیات من القرن الماضي، بعد تصاعد تأثیر المجاھدین العائدین من أفغانستان، وتفریخھم تنظیمات تكفیریة جدیدة.
ما لم نبحثھ بشكل جدي أن جذر معظم تحولات المنطقة یعود إلى حقبة أقدم، في عقد واحد تحدیدا؛ ھو ذاك الممتد بین بدایات السبعینیات وبدایات الثمانینیات.
ففي تلك الحقبة، یمكن رصد ثلاثة تحولات استراتیجیة كبرى غیر مكتملة، شكلت حقل الفخاخ الذي ما یزال یعد بالمزید من الانفجارات. التحول الأول، ھو بدایة التسویة السیاسیة للصراع العربي-الإسرائیلي. وھو مسار ولد غیر ناضج وغیر مكتمل، وما یزال منذ ثلاثة عقود ونصف العقد یولّد في كل یوم المزید من الصراعات والاختناقات التي تلف المنطقة بأكملھا، وتذھب باتجاه واحد ھو تصفیة القضیة الفلسطینیة، والمشكلة لیست في فكرة السلام او التسویة بل في ان المشروع غیر ناضج وغیر مكتمل وھنا العقدة.

أما التحول الثاني، فیتمثل في بروز مشاریع الإصلاح والانفتاح والتحول الدیمقراطي غیر الناضجة أو المكتملة، والتي تحولت بدورھا إلى حقل أفخاخ من نوع آخر، یوظف من الداخل والخارج. فیما یتجسد التحول الثالث في ظھور تیارات الإسلام السیاسي، واستخدامھا سیاسیا من قبل النظم السیاسیة والقوى الدولیة.

ھذه التحولات الكبرى التي طالما اشتبكت مع الخیال الشعبي، وتطلعات الفئات العریضة للطبقة الوسطى العربیة، جاءت -للأسف- غیر ناضجة، ومشوھة ومشبوھة. فلطالما شكل ھاجس حسم الصراع مع إسرائیل بالحرب أو التسویة، أولویة مكتومة؛ ولطالما كان حلم الاندماج في العالم والتحول الدیمقراطي غایة معلنة. فیما بقي الإسلام یحتل مكانة مرموقة في الإدراك الشعبي للطبقة الوسطى في بحثھا عن النموذج، والتصاقھا الكبیر بالماضي والذاكرة.

الغریب أن ھذه التحولات الثلاثة الكبرى التي تبلورت في حقبة واحدة، وما نزال أسرى لھا، ارتبطت برجل واحد ھو محمد أنور السادات؛ أكثر الزعماء العرب المعاصرین إثارة للخلاف ً والجدل، وواحد من أكثر زعماء العالم المعاصر ذكاء وفطنة وجرأة وقدرة على المناورة والمقامرة.

ما تزال المنطقة أسیرة حقبة السادات، ولم تحدث قطیعة حقیقیة معھا. إذ ما تزال القوانین الأساسیة التي تحرك السیاستین الإقلیمیة والدولیة في ھذا الجزء من العالم، من إنتاج تلك الحقبة بامتیاز كامل.

بالفعل، المنطقة ما تزال أسیرة لتفاعلات سیاسیة وصراعیة عمرھا ثلاثة عقود، یزید بعضھا عن ذلك أو یقل قلیلا. وجمیعھا زرعت في حقبة السبعینیات من القرن الماضي. فما تزال الحروب الصغیرة والكبیرة مقدمة لتحریك طاولة المفاوضات وجمع الشمل حولھا، طبعاً مع الفارق الضخم بین حروب تكتیكیة صغیرة وحروب كبیرة. فمنذ أن مارس السادات تغییر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط أكثر مرة، بقیت المنطقة تسیر على مسطرة تلك القواعد ولم تغیرھا كثیرا. وھذه حقیقة یثبتھا التاریخ، قبلناھا أم رفضناھا؛ السلام البارد، والتسویة المنتظرة، وحروب الانتصارات والتحریك وإزاحة دفة الصراع ھنا أو ھناك، وصراخ الدیمقراطیة والانفتاح، ثم ”دولة العلم والإیمان“ والمقامرة بمشاعر الناس الدینیة، وتحویلھا إلى وقود للسیاسة والحروب.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة