السبت 2024-12-14 08:48 ص

جمعة أسترداد الشوارع

01:24 ص

قبل ثلاثين عاما , كنت طفلا في أول الخطى وكان أبي يصطحبني معه الى البلد , فهناك لنا موعد مع الجيش مع موسيقات القوات المسلحة التي كانت تقيم عروضها اضافة للخيالة في الشوارع , كان الأمن يغلق شوارع عمان فقط من أجل الفرح ..وليس من أجل غيره .

وسؤالي لماذا تخلى الجيش عن هذا التقليد ولماذا لم تعد موسيقات القوات المسلحة تشعل الحماسة في قلوبنا ... نحن ندري أن تلك الشوارع كانت ملكنا نحن ...ملك الشعب التواق للفرح وملك من يدفع الضرائب وملك للأطفال الذين يريدون أن يطوعوا سمعهم مبكرا على الحماسة ولحن الجيش ..وعلى الوطنية الحقيقة وليست المزيفة .
للأسف تركنا تلك الشوارع (لجماعة الأخوان المسلمين)...وما يحدث يوم الجمعة هو أحتلال مبرمج لفرحنا المشروع , هو أقسى من الاحتلال ..هو تغيب للدولة عبر سحب السلطة منها على تلك الشوارع ...
هم يحضرون (البكم) الأزرق المليء بالسماعات وهذا هو سلاحهم ويطلقون عبارات مكررة , ويلتف حولهم مجموعة من شباب الحركة ...وثمة مجموعة أخرى أنيطت بها مهمة حماية المشايخ ومجموعات أخرى جاءت من الرصيفة ومن أماكن نائية على عجل فقط من أجل زيادة الأعداد وبعد كم هائل من العويل تنفض المسيرة ويتركون ما تبقى من حديث لقناة الجزيرة كي تكمل ما أذيع عبر سماعات (البكم) الأزرق .. ولكن بتكنلوجيا أكبر وبشاشة أجمل وبتزوير أبشع .
على الأقل موسيقات القوات المسلحة تعزف لحنا أردنيا على الأقل هي تنشر فرحا بين الناس ..هي لا تحتل الشوارع وانما تعيد لها ألقها وتعيد لها حضورها ..وتعيد لها ما يحيي الأمل في الناس وما يجعل الوطن عندهم قلبا راعفا بالحب وحده .
يوم أمس أمضيت ساعات الظهيرة كلها وأنا أشاهد ما حدث في العباسية في مصر ...وأجزم أن القاهرة ليست عمان ..ولكنها المرة الأولى في تاريخ (المحروسة) والتي تكسر فيها قواعد اللعبة السياسية ويتم التجرؤ على المؤسسة العسكرية شرف مصر الحي وضمير كل وطني مصري .
وأنا أدرك في قرارة نفسي أنه ربيع أخواني وليس عربيا , ادرك أن مهدي عاكف حين زار الأردن قبل أعوام لرأب الصدع بين تيارات الجماعة هنا تعامل مع التنظيم على أنه أمتداد وجزء من جسد أخواني منتشر في أرجاء العالم .
ما حدث في العباسية مخيف وقد يشكل نموذجا يحتذى ...والصراع الان على الشوارع على من يمتلك الشوارع نحن أم هم ...؟
لنقرأ قليلا أحداث العباسية , لنقرأ المشهد بروية ..وكيف تتم معاقبة المؤسسة العسكرية المصرية العظيمة على وقفها ضخ الغاز لاسرائيل ولماذا يتم نسيان الموقف المشرف للمشير الطنطاوي حين أكد أن الجيش المصري سيقطع يد من يمس سيادة البلد ...وكيف تتم محاولة كسر الهيبة .
كنت أعتقد أن أخوان مصر سيتجهون بالورد الى العباسية ولكنهم أتجهوا بالحجارة الى وزارة الدفاع ... يا ترى هل هذا الأمر يقع في معاقبة الجيش على وقفه الغاز عن أسرائيل أم لومه على ذلك ؟ ...صدقوني أن هناك لغة أمريكية سرية تسود الخطاب .
على كل حال بعد ما حدث في مصر ..أجزم أن المعركة الان هي معركة الشوارع وتلك شوارعنا شوارع العسكر والفلاحين والذين يبحثون عن الرزق وليست لحمزة منصور وهمام سعيد وزكي بني ارشيد .. وأنا أدعو وأحتفالا بعيد الاستقلال لانزال موسيقات القوات المسلحة الى البلد هذه الجمعة .. وأدعوا كل أردني حر عفيف شهم ...أن يكون هناك ليعلن موقفه فالحكومات لم تعد تجيد المواجهة ..ولكن الشعب قوي وقادر على أن يسترد الشوارع ممن سرقوها .
هذه الجمعة سأكون في البلد ...ولن نسمح بتكرار مشهد العباسية هنا في عمان ...هذه الجمعة لتكن جمعة استرداد الشوارع ممن سرقوها ..تلك شوارعنا لنا فيها ذكريات وأيام جميلة ..تلك ليست شوارع للحى ولا للأحزاب المطوية بالنسيان ولا للباحثين عن جمل عابره في صحافة عابرة.
لتكن جمعة استرداد الشوارع من لصوص الشوارع .


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة