السبت 2024-12-14 08:28 ص

"حرب داخل الإسلام"

10:43 ص

تصدّر موضوع 'مكافحة الإرهاب' اهتمامات الدبلوماسية الأردنية والملك شخصيا، خلال الآونة الأخيرة. وهو ما أكّد عليه في لقائه مع رؤساء الحكومات السابقة أول من أمس، بأنّ 'الحرب ضد الإرهاب هي حرب داخل الإسلام بالدرجة الأولى'.

قبل ذلك، كان الملك في زياراته إلى كلّ من السعودية والبحرين، وقبلهما مصر، يتشاور مع الحكام العرب في تدشين التحالف المقصود لمواجهة 'الحركات الإرهابية'. وهو الأمر الذي قد يسفر، لاحقاً، عن عقد مؤتمر عربي-إسلامي، في العام المقبل، تحت عنوان مكافحة الإرهاب.
ينطلق الملك في هذا التوجّه من تقدير الخطر الذي بات يمثّله صعود التيارات السلفية الجهادية في المنطقة، في كل من سورية والعراق. إذ باتت تمتلك قدرة هائلة على التجنيد والتعبئة والتمدّد. فهي تختطف عشرات الآلاف من الشباب العربي والمسلم، وتمتلك قدرة على تجنيد شباب آخرين من دول ومجتمعات غربية، بصورة غير مسبوقة. كما أنّها تحمل تشويهاً مخيفاً للإسلام وروحه ومقاصده وصورته في الداخل والخارج، ما يعني أنّ من عليه أن يخوض المعركة مع هذه الجماعات هي المجتمعات العربية المسلمة أولاً وقبل غيرها.
لا نعرف بصورة محدّدة، بعد، ما هي مهمات التحالف أو مخرجات المؤتمر المقترح؛ فيما إذا كانت ذات أبعاد إعلامية وسياسية بدرجة رئيسة، أم أنّ هناك تفكيراً في تطوير المشاركة العربية في الحرب الراهنة على تنظيم ما يسمى 'الدولة الإسلامية' في العراق والشام (داعش)!
لكن على هامش هذا الخط الدبلوماسي العريض، من الضروري الإشارة هنا إلى ملحوظات أحسب أنّها على درجة من الأهمية في الخطاب الإعلامي والسياسي، أو حتى في وضع الاستراتيجيات المطروحة، وإن كانت كل نقطة من هذه النقاط تحتاج بحدّ ذاتها إلى شروحات عريضة وواسعة.
أولاً، صعود الحركات الإسلامية المتشدّدة هو نتاج لشروط وأسباب موضوعية، هي التي تفسّر ذلك بالدرجة الرئيسة، وليست بالضرورة ذات أبعاد أيديولوجية، بل هي اجتماعية-سياسية، عنوانها الرئيس 'فقدان الأمل'؛ وتتلخّص بالأزمة السُنّية في العراق وسورية ولبنان، والشعور الحقيقي لدى السُنّة بتهديد الهوية، وبغياب الفعالية الرسمية العربية، مقابل نشاط الدول الإقليمية الأخرى، إيران وتركيا.
لذلك، لا يمكن هزيمة 'داعش' ثقافياً وسياسياً واجتماعياً، في حال بقيت حالة انسداد الآفاق السياسية أمام الناس. فالسُنّة يحتاجون إلى 'ضوء' في نهاية النفق، والحرب الدائرة اليوم تعزّز دعاوى 'داعش' ولا تضعفها، بأنّ الطرف الآخر، وهو الإيراني والنظام السوري، هو المستفيد الرئيس من ذلك، حتى باعتراف الولايات المتحدة الأميركية.
ثانياً، لا يجوز اختزال الأزمة السُنّية عبر تشكيل 'الصحوات' ودعم العشائر في مواجهة تنظيم 'الدولة' في جنوب سورية وغرب العراق. فهذه الفكرة سبق أن جربت أولاً، وهي ثانياً لا تغني عن الخطاب السياسي الإقليمي العربي الذي يجلس إلى الطاولة ويطالب بحلول جوهرية واستراتيجية ترضي الأطراف جميعا.
ثالثاً، مرة أخرى، من الخطأ، بل خطيئة كبرى، أن يتم الزج بجماعات الإسلام السياسي جميعاً في خندق التطرف والإرهاب، فهذا سيؤجّج الأزمات الداخلية ويضعف أي تحالف مفترض لهزيمة التشدد. فمن الضروري إعادة النظر في هذا الموقف الذي يحكم مواقف الدول العربية المحافظة، إذ هو على المدى البعيد كفيل بحدّ ذاته بتخليق نماذج متطرفة ومتشددة جديدة.
رابعاً، من الضروري أيضاً عدم تغول مفهوم مكافحة الإرهاب والتطرف على الحريات العامة وحرية التعبير، وتغليب المنظور الأمني على الإصلاحي تحت هذه الذريعة؛ فذلك سيثير الشكوك الهائلة حول مشروع الحرب على الإرهاب.
خامساً، من الضروري تقديم مقاربة عربية إسلامية لموضوع الإرهاب، بما يشمل كل أصنافه وألوانه، وعدم اختزاله ببعض الجماعات السُنّية.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة