الأحد 2024-11-24 23:19 م

خطاب العرش ... مليك يرسم الأمل بريشة الواقع

09:28 ص
دولة القانون واقتصاد منيع وخدمات أساسية متميزة ثلاثة محاور أساسية للدولة الأردنية كي تحقق رؤية ونهج جلالة الملك، هذا النهج الذي يدرك تماماً ما تتعرض له الدولة الحديثة من إشكاليات تحت مسمى فجوة الرضا وفجوة الثقة.


فتسارع الأحداث وتنامي المطالب الشعبية في الدولة الحديثة زاد من حجم التوقعات لدى الشعوب، ومع ازدياد حجم التوقعات وعدم قدرة الدولة بأدواتها التقليدية على تحقيق التوقعات المتزايدة تبدأ فجوة الرضا لدى المواطن بالاتساع بين ما يصبو إليه وما يتحصل عليه فعلاً، وعند درجة ما تتحول فجوة الرضا إلى ما يُسمى بفجوة الثقة، حيث يبدأ المواطن بفقد ثقته بالدولة ومؤسساتها بالاتساع مما يهدد الدولة نفسها.

لذا جاء خطاب العرش منذ كلماته الأولى مركزاً على مفهوم التوافق الوطني، وهو ما يعني أنه لا فصل بين الدولة ومؤسساتها من جهة والمواطن من جهة أخرى فكل واحد منا من موقعه هو جزء من الدولة، وكما يتمتع بحقوق فإنه يلتزم بواجبات.

قراءة جلالة الملك للحالة الأردنية قراءة اتسمت بالواقعية من دون تجميل منفر أو تقريع محبط، وهو ما يظهر من خلال النطق السامي حين قال جلالته»فالأردن مثل غيره من الدول شابت مسيرة البناء والتنمية فيه بعض الأخطاء والتحديات، التي لا بد أن نـتـعلم منها لضمان عدم تكرارها ومعالجتها لنمضي بمسيرتنا إلى الأمام.»

فالإقرار الملكي بوجود أخطاء في مسيرة البناء والتنمية ترافق مع اعتبار ما حصل دروساً يجب أن نتعلم منها، دون أن يقودنا ذلك إلى جلد الذات أو نشر مناخ من التشكيك، وهو ما يدل على إدراك عميق من قبل جلالة الملك لما يُسمى بالمزاج العام، فوجود مزاج عام سلبي يمنعنا من التقدم للأمام، ويجعلنا لا نرى ما تحقق من إنجاز من خلال إنكار حدوثه أو التقليل من أهميته، وهو ما يمنع المواطن من بذل الطاقة اللازمة للنهوض بالوطن.

ولأن جلالة الملك قارئ عميق للحالة الأردنية، يراها بعيداً عن التحيز الذي يعيق الرؤية ويزيغ الأبصار، فإنه يدرك أن الفساد بات ظاهرة يجب محاربتها قبل أن تتحول لمرض مزمن، فمعاقبة الفاسدين لا يعني حماية الدولة من الفساد، وهذا يعني أن مجرد تقديم بعض الملفات (المشبوهة) لهيئة مكافحة الفساد لدراستها وإحالتها إلى الجهات القضائية المختصة في حال ظهور ما يشير ويثبت وجود حالات فساد، على أهمية هذه الخطوة إلا أنها غير كافية في المطلق، فهذه الأداة هي لمحاربة فساد قد حصل أو وقع مسبقاً إلا أنه لا يخلق أدوات أو عملية حمائية من وقوع الفساد مستقبلاً، ومع إدراكنا أن الفساد لا يمكن القضاء عليه تماماً، حتى في أكثر الأنظمة صرامة، إلا أنه من المتفق عليه أن هناك إجراءات تحد من ممارسة الفساد.

لذا فإن على الحكومة أن تبدأ بالتوازي مع إحالة الملفات إلى هيئة مكافحة الفساد أو الادعاء العام إلى سن إجراءات تعرقل إمكانية حدوث عمليات فساد كبرى أخرى، كما تبرز الحاجة إلى ضرورة التحصن بمجموعة قوانين تدخل في منظومة النزاهة، وأخيراً على الحكومة أن تراعي في حربها على الفساد أمراً حساساً وهو ألا تقود هذه الحرب إلى فقدان الثقة بالدولة لدى المواطنين والمستثمرين، فانتشار محاكمة الفاسدين يعطي انطباعاً عاماً أن الفساد تغلغل إلى مختلف مفاصل الدولة، وهو ما قد يفقد المواطن ثقته بالدولة أو بقدرتها على التعافي، مما يعطي أثراً سلبياً يمنع الحكومة الحالية والحكومات اللاحقة من دخول معركة ضد الفساد.

أما الجانب الاستراتيجي في الحرب على الفساد يتمثل بإعادة تعزيز البنية الاجتماعية الرافضة للفساد، ولا يتحقق ذلك إلا بإعادة الاعتبار لمفهوم المواطنة، فالولاء للوطن، وعلى الحكومة مهمة إعادة الاعتبار للطبقة الوسطى، فحينها ستكسب جمهوراً عريضاً يرفض الفساد، وهو ما يعني أنه على الحكومة البدء بوضع خطط اقتصادية واجتماعية لزيادة مساحة هذه الطبقة وزيادة تفاعلها وتأثيرها داخل المجتمع.

تغيير المزاج العام السلبي للمواطن الأردني ورؤية الإنجازات الحقيقية التي حققها الأردن، وتجفيف منابع الفساد، سيقودنا إلى الاعتراف بقدرتنا الحقيقية بالاعتماد على النفس، ويحرر الأردن من الكثير من القيود الاقتصادية، ويفجر طاقة الأردني، حينها سيكون الأردن قادراً على السير في طريق مشروع النهضة.

رؤية ملكية ثاقبة ومسؤولية حكومية كبيرة ودور مؤثر للمواطن عنوان خطاب العرش الذي جاء ملهماً وقادراً على استشراف شروط بناء مستقبل الأردن وفق المبادئ التي أسس عليها دون أن يحيد عنها.

gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة