السبت 2024-12-14 11:39 ص

خطة كيري .. دروس الفشل

07:48 ص

غادر وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، غرفة المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية؛ يائسا ومحبطا، وترك لطواقم المساعدين عمل ما يمكن لإنقاذ عملية السلام من الانهيار. لكن جهود الساعات الطويلة لم تثمر عن شيء. لم يعلن 'الراعي' الأميركي موت المفاوضات، لكن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي شرعا في إجراءات الدفن؛ السلطة الفلسطينية حسمت خياراتها وانضمت إلى اتفاقيات جنيف على أمل ملاحقة إسرائيل كحكومة احتلال. وحكومة نتنياهو عادت إلى لعبتها القديمة بحصار السلطة ماليا، وقطع الاتصالات مع مسؤوليها.

ها نحن إذن عند نقطة الصفر من جديد. أشهر من الآمال العريضة التي بثها كيري في المنطقة تكاد تتلاشى. ما يزال الكثيرون من الساسة والدبلوماسيين يقاومون الفشل، ويرون فيما حصل توقفا مؤقتا لعملية سرعان ما تعود للدوران بعد أسابيع قليلة.
كيري الذي وعد بتقييم شامل لجهود الإدارة الأميركية في هذا الملف، اكتفى ببيان صحفي حمّل إسرائيل المسؤولية الكبرى عن الفشل، لرفضها الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، أخذ على الجانب الفلسطيني قراره بالانضمام للمعاهدات الدولية.
هذا السيناريو ليس جديدا؛ فقد عاشته المنطقة مرات عديدة من قبل. ربما كان كيري جديا وملتزما أكثر من أسلافه، لكن في كل الحالات النتيجة واحدة.
إزاء هذه النهاية لجهود الدبلوماسية الأميركية، وعندما ننظر إلى الخلف ونستعرض السجالات الساخنة التي دارت حول خطة كيري هنا في الأردن وفي فلسطين، وموجة الذعر التي دبت في أوساط النخب السياسية وانتقلت إلى مستويات شعبية أوسع، يكاد المرء فينا لا يصدق ما نحن عليه من سذاجة وخفة.
لقد أهدرنا طاقة رهيبة في الصراع على مشروع كانت نهايته معروفة، وخسرنا الكثير من لحمتنا الوطنية وثقتنا ببعضنا بعضا من أجل أفكار لم تر النور.
جميع الأطراف تتحمل المسؤولية عن ذلك؛ الدبلوماسية التي رفعت سقف التوقعات، والغموض الأميركي الذي عزز الشكوك، والنخب السياسية التي ضخمت المخاطر، والتاريخ الطويل من عدم الثقة بالمفاوض الفلسطيني، والريبة الدائمة من الدور الرسمي الأردني في عملية السلام.
في نظر المراهنين على إعادة إحياء جهود الوزير كيري، قد لا يكون هذا هو الوقت المناسب لاستخلاص الدروس من المحاولة الفاشلة. لكن، دعونا نقول إن المرحلة التي وصلت إليها المفاوضات كافية لمراجعة أمرين أساسيين، تصرفنا معهما خلال الفترة الماضية بوصفهما مسلمات.
الأول: السلطة الفلسطينية مستعدة للتفريط بثوابت القضية الفلسطينية، وإبرام صفقة مع إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. لقد أثبتت الأشهر التسعة الماضية عدم دقة هذه الفرضية؛ فقد صمدت 'السلطة' ورئيسها في وجه الضغوط ولم تقبل بمساومات كبرى. هذه حقيقة، سواء كنا من المعجبين بالرئيس محمود عباس أو المعارضين لنهجه؛ الرجل لم يقبل التنازل، رغم حجم الضغوط التي مورست عليه من أطراف مختلفة.
الثاني: وهو أمر يخصنا نحن في الأردن. لقد آن الأوان أن نكف عن الشعور بالتطيّر والفزع مع كل محاولة لحل القضية الفلسطينية، وأن نتوقف عن التصرف وكأننا كيان في مهب الريح، سيذهب مع أول جولة مفاوضات. ينبغي أن نستفيد من دروس الصراع الطويل مع إسرائيل، ونجدد الإيمان بأن الحل إن لم يكن عادلا وشاملا، فلن يُكتب له النجاح.
لا أحد مهما كان في مركز صناعة القرار، يستطيع أن يتجاوز الثوابت الأردنية والفلسطينية، حتى لو كان داخل غرفة المفاوضات أو على الطاولة.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة