السبت 2024-12-14 09:38 ص

خونة النبي!

09:59 ص

إلصاق كل هذه الهمجية والدموية بالإسلام والمسلمين، أمر يثير الغضب جداً، فما علاقة الإسلام أصلا، بـ»داعش» التي تعتدي على بيوت أهالي الموصل العراقيين المسيحيين وتهجِّرهم وتسلب أموالهم؟!.

أي عقلية متحجرة التي بحثت عن نص قديم في كتاب أصفر ، وقررت تأويله على هذا النحو الذي يسمح لك بطرد المسيحي من بيته، والاعتداء على حرمته، والنبي ذاته أوصاك بسابع جار، ولم يحدد لك دين الجار، ولاعرقه، ولا أصله، وبالضرورة هنا أن الوصية عمليا تشمل الجميع بلا استثناء؟!.
ماعلاقة الإسلام بكل هذا الغلو المتخفي وراء عنوان ديني، يشتقه شخص يعتقد أنه ناطق مفوض باسم الله،وقد رأينا أيضا بعض الغلاة ، كانوا عتاة سابقا زناة سكارى؟!.
قرروا فجأة التطهر والتوبة، ولم يجدوا إلا التطهر عن طريق المغالاة والدم، وتشويه سمعة الإسلام في نهاية المطاف، وهذا يعني أن وجودهم مقيت، في الحالتين، في جاهليتهم، ثم في تطهرهم، ولم يرحمونا من شرورهم لا في سابق عهدهم، ولا حاضرهم.
ليس هذا هو النبي الذي قيل فيه إنه أرسل رحمة للعالمين، وليس هذا هو النبي الذي قيل فيه إنه بشير ونذير،وليس هذا هو النبي الذي قيل فيه إنه على خلق عظيم.
ليس هذا هو النبي الذي قال إنه بعث ليتمم مكارم الإخلاق، وليس هذا هو النبي الذي رجمه أهل الطائف، فلم يثأر منهم حتى بدعاء، وليس هذا هو النبي الذي آذاه أهل مكة، وحين عاد لم يرفع عليهم سيفا، وهو يعلم أن بعضهم لم يؤمن برسالته.
ليس هذا هو النبي الذي ناصره ملك الحبشة المسيحي، ولا النبي الذي تزوَّج القبطية، ولا النبي الذي كان يتاجر مع المسيحيين في الشام، وليس هذا هو النبي حتى تحمِّلوه مسؤولية أفعالكم أمام الخليقة.
ليس هذا هو إسلام عمر بن الخطاب الذي احترم المسيحيين في فلسطين، ولم يحرق الكنيسة، ولا تعدى على حقوقهم، ليأتي من يحرق الكنائس هذه الأيام؟!.
هذه همجية لا يجوز أن نطأطئ الرأس أمامها، لأن هذه العقلية التطهيرية تؤدي دورا أخطر، من خلال تدمير المنطقة وبناها الاجتماعية التي عاشت آلاف السنين في منطقتها، وبعضهم من قبل الإسلام ، والسكوت يسبب مرارة لدى إخوتنا المسيحيين، فلماذا نسكت امام اضطهادهم؟!.
هؤلاء فتحوا مزاد القتل بالمسيحي، ويريدون أن يمروا بالدرزي والشيعي وكل الأعراق والملل، ثم يعودون لتصفية حساباتهم مع ذات الحزمة، أي مع النصرة والقاعدة، ثم يتفرغون بعد ذلك لأي مسلم معتدل، او ليس على مقاسهم الذي زيَّنه الزيف لهم.
رياء ونفاق وصمت مريب نلمسه في كل مكان، باعتبار أن المسيحي هنا ليس مهما، لا في العراق ولا في سورية، ولا مصر، وقبلهم المسيحي في فلسطين، والحبل على الجرار، ويراد تقديم الدليل للعالم الغربي بأننا همج لا نقبل أحدا، فيصير المخرج دعم إسرائيل من الغرب، لتدوس علينا، باعتبارنا أمَّة تستحق الدوس.
مئات السنين، عاش الناس مع بعضهم بخير، لم تسمع عن هذه الفتن الدينية والطائفية والمذهبية إلا بعد خروج الغلاة الى السطح، وتوظيف الإعلام والالكترونيات والمال، لمد هذا الفكر التطهيري.
كان الاولى بمن يعتدي على اهل الموصل، أن يتفرغ هو أولا لفهم دينه كما هو، وأن يتفرغ أولا لبناء مدرسة، أو تصنيع حبة دواء، أو أن يذهب ليحارب إسرائيل، وهذا خطاب عدمي، لأن من يشتم الكفار، ثوبه صيني، ورشاشه أمريكي، ودواؤه بريطاني، وسرواله فرنسي، وسيارته يابانية.
نعيش عالة على الأمم، ونوزِّع عليهم شهادات حسن السلوك، ونمد ألسنتنا بكل بلاهة في وجوه الأمم ظنا انهم خُلقوا ليخدمونا، فبتنا في أدنى سلم الأمم.
باتت لدى بعضنا ذات عقدة اليهود، أي عقدة «شعب الله المختار»،إذ نظن اننا احسن الأمم، وبقية الأمم تافهة حقيرة و فاسدة بلا أخلاق، والواجب تطهير الكون منهم، باعتبارنا خير أمَّة اخرجت للناس، ويتناسى المصابون بالعقدة ان هذا التوصيف للمسلمين مشروط بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
التوصيف يعني أمرين أولهما أن يتَّسم المسلم ذاته بأخلاق حقيقية لا تؤذي البشر وليست مجرد ادعاء باللسان، وثانيهما أن يكون طيف خير ونور على الآخرين، لا أن يحمل سيفه ويبدأ بقطع الرؤوس يمينا وشمالا، فأين الشرطان على المستوى الفردي والجمعي؟!.
يكفينا هذا الاختطاف للاسلام، في كل مكان، و يكفينا تدميرا للمنطقة، وسفك دم مكوناتها، تحت عناوين دينية وطائفية ومذهبية، والهدر بالصوت العالي والتأويلات يجب ألا تمنعنا من قول الحقيقة.
علينا ان نحرر الاسلام من يد خاطفيه، لأنهم فعلوا فينا، مثل اكثر مما فعله الاحتلال الاسرائيلي،وهؤلاء اخطر، لأنهم ينفذون المهمة الأخطر باسم الله، والنبي والقرآن، وامرهم يلتبس على كثيرين، فيما الاسرائيلي واضح ومحدد في عداوته ودوافعه.
حين تمسُّون مقام النبي وقدره، بإلصاق كل هذه الافعال، به -صلى الله عليه وسلم- ظلما وبهتانا تصيرون خونة للنبي، رزقنا الله شفاعته، وجواره .......وأخلاقه أيضاً.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة