السبت 2024-12-14 08:38 ص

ذكرى رحيل ياسر عرفات تصادف اليوم

03:06 م

الوكيل- ياسر عرفات او كما اعتاد الفلسطينيون مناداته 'الختيار' بعد مرور تسع سنوات على اغتياله لا يزال الفلسطينيون يبكون هذا الرجل الذي فجر ثورة استمرت وستستمر حتى النصر، ابو عمار الذي ناضل وكافح وتعب حتى يحقق الحرية للشعب الفلسطيني استشهد مسموما في رام الله ، غاب الختيار لكن ضحكته لم تغب وابتسامته ما زالت محفورة بذاكرة الفلسطينيين وصوته الذي صاح به معلنا امام العالم قيام دولة فلسطين، لا يفارق ذاكرة محبيه


ياسر عرفات قائد الشعب الفلسطيني ومفجر ثورته الحديثة ،وأحد أبرز القادة العظام في العالم خلال القرن العشرين، خاض نضالا وجهادا لا يلين طوال أكثر من نصف قرن على مختلف الجبهات، أعاد الحياة لاسم فلسطين ولقضية شعبها في الوعي الانساني، ووضع القضية الفلسطينية على الخارطة السياسية العالمية.

ومنذ ولادته حتى استشهاده، كأن فلسطين كانت على موعد مستمر معه ومع ذاتها، فقد حمل 'ياسر' في مسيرة حياته كلها فلسطين وطنا وقضية .. أملا وهما .. حملها والتصق بها إلى درجة صار فيها الاسمان مترادفين لسنوات طويلة .. إن ذكرت فلسطين .. ذكر عرفات .. وإن قلت عرفات .. عرف الباكستاني والهولندي والروسي والكوبي والصيني والأميركي والاندونيسي ...أنك تعني فلسطين .


تحل الذكرى الثامنة لرحيل الشهيد الرمز ياسر عرفات، الذي اغتالتة يد الغدر الاسرائيلية بالتواطىء مع إدارة بوش الابن بدس السم الى طعامه وشرابه (حسب الخبراء السويسريين بعد فحص بعض مقتنياته 'ملابسه' فان الاسرائيليين تمكنوا عبر ادواتهم المزروعة حول الرئيس ابو عمار من وضع سم البولونيوم المشع 210 في طعامه) مما ادى لاغتياله
والساحة الفلسطينية تعاني من جملة أزمات حادة، تهدد في حال استمرارها الى إسدال الستار على مرحلة التحرر الوطني وبناء الدولة المستقلة وتقرير المصير كليا

الحصار

منذ كانون الأول/ديسمبر, 2001 ضربت إسرائيل حصاراً مشدداً على أبو عمار لم يغادر الرئيس عرفات مقره في رام الله حيث حاصره جيش الاحتلال الإسرائيلي عدة مرات أشهرا طويلة.


دفع أبو عمار ثمن إصراره على موقفه السياسي حيث حوصر قرابة الثلاث سنوات في مقر المقاطعة في رام الله وهددت حكومة العدو الإسرائيلي بقتله مرات متتالية بل واقتربت من جدار غرفته ولكن جوابه كان واضحاً مدوياً شهيداً شهيداً شهيداً هذا دربي واختياري منذ عقود طويلة.

:وما زالت كلماته تعانق ضمائر احرار العالم
ستمنعون الشمس والهواء عني لن أتنازل, ستحجبون عني الدواء والغذاء, الله خلقني ولن ينساني القدس مطلبي, وركعة في المسجد الأقصى المبارك غايتي التي لا تناظرها غاية, الطريق طويل, لكن النفس أطول والهجمة الشرسة تقابلها إرادة حديدية

وفي 11/11/2004 اعلن عن استشهاد 'أبو عمار' في مستشفى بفرنسا بعد تسميمه ودفن في رام الله

السيرة الذاتية للرئيس الفلسطيني الشهيد

خاض 'أبو عمار' خلال سني حياته نضالا وجهادا لا يلين طوال أكثر من نصف قرن على مختلف الجبهات، أعاد الحياة لاسم فلسطين ولقضية شعبها في الوعي الانساني، ووضع القضية الفلسطينية على الخارطة السياسية العالمية.

أبدى 'أبو عمار' في صغره اهتماما بالشؤون السياسية والعسكرية؛ إذ كان يجمع حوله رفاقه ويدربهم على المشي العسكري، وكثيراً ما كان يتسلل ويهرب من المدرسة ليذهب إلى الأماكن التي يرتادها رجال السياسة ويشترك في عملية تهريب الأسلحة من مصر ثم تطور دوره بعدها ليصبح مشترياً للسلاح.


وبعد استشهاد عبد القادر الحسيني في القسطل عام 1948م اجتمع الطلبة الفلسطينيون في كلية الهندسة في جامعة الملك فؤاد الأول بالقاهرة، وكان من بينهم محمد القدوة المشهور باسم ياسر عرفات وكان حينذاك في التاسعة عشرة من عمره، وقرروا إحراق كتبهم والذهاب إلى فلسطين للالتحاق بصفوف المجاهدين.


وصل عرفات وزملاؤه إلى فلسطين في عام النكبة 1948م، وانضموا إلى صفوف المجاهدين وأبلوا بلاءً حسناً، ولكن تدخل الجيوش العربية أضعف مقاومتهم وجرّدهم من السلاح فغادر عرفات ورفاقه مضطرين إلى القاهرة مسلوبي الجنسية والهوية، ولكن اليأس لم يكن ليعرف طريقه إليه فحرص على إعداد نفسه وخدمة قضيته وشعبه ورأى أن جهاد شعبه سيتواصل ولا بد من تضافر الجهود وإعداد أبناء هذا الشعب.


شرع يدرب الطلاب الفلسطينيين في مصر عام 1954م بعد ثورة يوليو وكان هذا نتاجاً للقائه مع الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت تربط عرفات بقادة ثورة يوليو روابط قوية بحكم مشاركته المصريين في معارك القتال ضد الإنجليز. وكان قبلها قد قدّم للرئيس محمد نجيب وثيقة مكتوبة بالدم تطلب منه ألا ينسى القضية الفلسطينية.


وبعد تخرجه في كلية الهندسة أصبح رئيساً لرابطة الخريجين الفلسطينيين؛ مما أتاح له الاتصال بالفلسطينيين المثقفين في جميع أنحاء العالم.
توجه إلى الكويت للعمل مهندسًا، وهناك كانت البداية، حيث أسس هو وخليل الوزير 'أبو جهاد' أولى الخلايا السرية لحركة فتح ونشط في ترسيخها وطلب من الرئيس الجزائري أحمد بن بلا السماح بفتح مكتب لحركة فتح في الجزائر. وعقب حرب يونيو 1967م شرع ينتقل بين القدس ورام الله ونابلس ليبني قواعد تحتية للعمل الفدائي في الأرض المحتلة. وتولى رئاسة حركة فتح ومن بعدها اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1973م التي لا يزال رئيساً لها.


تنقل بين لبنان والأردن وسوريا ودول أخرى حيث تشرد الشعب الفلسطيني، وقاد معارك لبنان عامي 1978 و1982، وغادر بيروت عقب الحصار الطويل في عام 1982 إلى تونس حيث جعل منها مقرًّا لمنظمة التحرير، وركز على العمل السياسي لحل قضيته.


في 1993 وافق على خطة أوسلو، وفي 1994 عاد إلى فلسطين رئيسا للسلطة الفلسطينية في غزة وأريحا.


وفي 11/11/2004 توفي 'أبو عمار' في مستشفى بفرنسا بعد مرض مفاجئ حيّر الأطباء، وتعتقد بعض الجهات الفلسطينية أنه تم تسميمه، وتجرى عملية تحقيق طويلة بشأن موته حتى الآن.

40 محاولة اغتيال نجا منها ابو عمار الى ان قتل بالسم

خطط و مؤامرات عديدة حاكتها اسرائيل كانت نتيجتها اكثر من 40 محاولة اغتيال للرئيس الشهيد ياسر عرفات تضاف لعشرات المحاولات التي نجا فيها ابو عمار من الموت المحتم، ما يثبت أنه كان هدفا لكثير من محاولات التصفية من جانب اسرائيل حتى ان بعض هذه المحاولات كانت إبداعية تضمنت استخداما لمجرمين أو مغلفات متفجرة وصولا الى عملية التنويم المغناطيسي.
محللون في تل ابيب يؤكدون ان أول مرة طرحت فيها إسرائيل إمكانية تصفية الرئيس عرفات كانت عام 1964 عبر تنصت الموساد على هواتف قيادات فلسطينية في المانيا الغربية وكانت قيادات اسرائيل ترغب بقتله وهو صغير.
المحاولة الاخرى كانت في كانون الثاني عام 1965 وكان الهدف ابو عمار وابو جهاد حتى ان المطلعين في اسرائيل قالوا ان ياسر عرفات سار منذ تلك اللحظة وإشارة الاستهداف على جبينه.
في وقت لاحق، وعندما حبست السلطات السورية الشهيد عرفات، كانت خطة لتجنيد مجرمين محليين ليقوموا بتصفيته في السجن فلم تفلح الخطة.
في حزيران 1967، كان عرفات في القدس فسارع جهاز 'الشاباك' الاسرائيلي بالإعلان عنه ك'مطلوب' لكنه فشل بملاحقته'.
بعد ثلاثة أيام من هدوء المعارك أشار عميل للمخابرات الإسرائيلية إلى مكان اختباء أبو عمار، ووصل الجنود إلى هناك بعد دقائق قليلة من فراره، وبعد يومين اجتاحوا شقة أخرى في بيت حنينا، واقتحموا المكان واكتشفوا بأنه فارغ حيث كان الرئيس قد غادرها بلباس امرأة نحو الاردن.
بعد حرب الأيام الستة صارت عمليات فتح فتاكة ولكن لأكثر من نصف سنة لم تكتشف إسرائيل مكان ابو عمار إلى أن نقل عميل للمخابرات الإسرائيلية، معلومات تفيد بأن قيادة عرفات نقلت إلى بلدة الكرامة الأردنية، و تقرر اجتياح الأردن في محاولة لتصفيته لكنها فشلت.

في 1968 كانت هناك محاولة اسرائيلية فاشلة جديدة تلتها عدة محاولات اخرى عام 1970 في لبنان ثم في عام 1975 في بيروت ايضا عندما كان الرئيس عباس يعقد جلسة لقيادة منظمة التحرير فقامت طائرات الاحتلال قصف مكتب المنظمة دون ان تعلم ان الاجتماع كان في مكتب مجاور.
وفي 1982 جرى التخطيط لعملية جديدة، سميت 'واحد واحد' ولكن كانت هناك خشية من فشلها وبدأت جهات تمارس الضغط على مناحيم بيغن، الذي استجاب للضغوط وأمر بإلغاء العملية.
وفي محاولة أخرى عثر الطيران الاسرائيلي على شقة بمستوى الأرض، شارك فيها عرفات في جلسة ووجهوا القذيفة نحو النافذة ولكن اخطأوها وأصابوا مبنى مجاورا، واصيب الرئيس الشهيد حينها بجروح طفيفة.
وبعد خروج المنظمة من لبنان إلى تونس كان في اسرائيل من ادعى بأنه لم يكن هناك أفضل من يوم انسحاب عرفات لتصفيته، ولكن بيغن رفض إقرار العملية، خوفا من ردود فعل الأميركيين الذين كانوا مشاركين في الاتفاق.
تواصلت المحاولات والخطط المحكمة لاغتيال ابو عمار الى ان تمكنت اسرائيل بطريقة لم يعلن عن تفاصيلها_من تصفيته بمادة سامة يعتقد انها البولونيوم سببت له اعياءا شديدا استشهد على اثرها خلال فترة قصيرة في الحادي عشر من تشرين الثاني عام 2004.

وهؤلاء إغتالتهم إســرائيل
علي مدي عقود من النضال والكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي, وجهت المقاومة الفلسطينية ضربات موجعة لهذا العدو وكبدته خسائر فادحة ولكن في المقابل, ضحت هذه الفصائل والشعب الفلسطيني بكوادر وعناصر ومقاتلين
واعتمدت اسرائيل سياسة الاغتيالات ضد كوادر هذه التنظيمات ممن تعتقد انهم باستمرار عملهم يشكلون عليها خطرا. وتضم قائمة القادة والكوادر الفلسطينية التي اغتالتها اسرائيل بدم بارد أو في غاراتها, العشرات بجانب ألاف الفلسطينيين الذين سالت دماؤهم دفاعا عن أرضهم ومقدسات المسلمين, ولكن من أبرزهم:
الشيخ أحمد ياسين, الزعيم الروحي لحركة حماس, وقتلته اسرائيل في هجوم صاروخي استخدمت فيه طائرة هليكوبتر يوم22 مارس2004 وهو يغادر مسجدا في مدينة غزة.
خليل الوزير, عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ونائب القائد العام ياسر عرفات. واغتيل في16-4-1988 في اكبر عملية نفذتها اسرائيل في تاريخها حيث شارك بها اربعة الاف عضو كوماندوز استطاعوا دخول تونس من البحر من خلال الاسطول الامريكي واغتالوه في بيته.
عبد العزيز الرنتيسي: قيادي بارز في حركة حماس, قتل بصاروخ أطلقته طائرة هليكوبتر اسرائيلية علي سيارة في غزة يوم17 ابريل.2004
جهاد العمارين قائد كتائب الاقصي التابعة لحركة فتح اغتيل في غزة بالصواريخ عام.2002
محمود المبحوح: أحد أعضاء كتائب عز الدين القسام في2010, بفندق في مدينة دبي, عن عمر ناهز50 عاما, وقد تم اغتياله بعد صعقه بمسدس كهربائي داخل غرفته, ومن ثم جري خنقه حتي لفظ أنفاسه دون أن تظهر أي إصابات علي جسده, لكن تشريح الجثة كشف عن آثار للسم في جسده.
ابو علي مصطفي الامين العام للجبهة الشعبية اغتيل عام2001 بصاروخ اسرائيلي وهو في مكتبه.
صلاح شحادة: القائد العام لكتائب القسام, الجناح العسكري لحماس, في23 يوليو2002 بقصف جوي وذلك بإلقاء قنبلة تزن طنا ألقتها طائرة إسرائيلية من نوع(اف16) علي بناية في حي مزدحم بمدينة غزة. مما أدي إلي استشهاد18 فلسطيني بينهم ثمانية أطفال.
يحيي عياش: قيادي في حركة حماس, كان العقل المدبر لموجة من التفجيرات الانتحارية الفلسطينية لقب بالمهندس. قتل في قطاع غزة أيام كان جزءا من مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني1996 حين انفجر هاتفه المحمول في يده.
عدنان الغول: خبير متفجرات بحماس قتل في غارة جوية اسرائيلية في مدينة غزة يوم21 أكتوبر2004, وكان الغول يعرف بلقب أبو القسام نسبة الي صواريخ القسام المحلية الصنع.



ما كتبه محمود درويش بعد استشهاد ابو عمار..ينهض فكرة حية تحرض على عبادة الوطـن والحريـة.

تأخَّر حزني عليه قليلاً، لأني كغيري توقَّعْتُ من سيِّد النجاة أَن يعود إلينا، هذه المرة أيضاً، ببداية جديدة. لكن الزمن الجديد أَقوى من شاعرية الأسطورة ومن سحر العنقاء. وللتأبين طقس دائم يبدأ باستعمال فعل الماضي الناقص: كان... كان ياسر عرفات الفصل الأطول في حياتنا. وكان اسمه أحد أسماء فلسطين الجديدة، الناهضة من رماد النكبة إلى جمرة المقاومة، إلى فكرة الدولة، إلى واقع تأسيسها المتعثِّر. لكن للأبطال التراجيديين قدراً يشاكسهم، يتربّص بخطوتهم الأخيرة نحو باب الوصول، ليحرمهم من الاحتفال بالنهاية السعيدة لعمر من الشقاء والتضحية. لأن الزارع في الحقل الوعر لا يكون دائماً هو الحاصد.

يُعَزِّينا في هذا المقام أن أفعال هذا القائد الخالد، الذي بلغ حدّ التماهي التام بين الشخصيّ والعام، قد أوصلت الرحلة الفلسطينية الدامية إلى أشد ساعات الليل حلكة، وهي الساعة التي تسبق الفجر، فجر الاستقلال المُرّ، مهما تلكأ هذا الفجر، ومهما أُقيمت أمامه أسوار الظلاميين العالية. ويُعَزِّينا أيضاً أن بطل هذه الرحلة الطويلة الذي وُلد على هذه الأرض الشرسة، قد عاد إليها ليضع حجر الأساس للمستقبل، وليجد فيها راحته الأبدية، لتغتني أرض المزارات بمزار جديد.

الرموز أيضاً تتخاصم، كما يتخاصم التاريخ مع الخرافة، والواقع مع الأسطورة. لذلك كان ياسر عرفات، الواقعيُّ إلى أقصى الحدود، في حاجة إلى تطعيم خطابه بقليل من البُعْد الغَيْبيّ، لأن الآخرين أضافوا إلى الصراع على الحاضر صراعاً على الماضي، لمحو الحدود بين ما هو تاريخي وما هو خرافي، ولتجريد الفلسطيني من شرعية وجوده الوطني على هذه الأرض. لكن البحث عن الحاضر هو شغل الناس وشاغلهم، وهو عَمَلُ القائد المتطلِّع إلى الغد.

وكان ياسر عرفات الناظرُ إلى الغد والعميقُ الإيمان بالله وأنبيائه، عميقَ الإيمان أيضاً بالتعددية الثقافية والدينية التي تمنح هذه البلاد خُصُوصِّيتها، التعددية المضادة للمفهوم الحصري الإسرائيلي. وكان في بحثه الديناميكي عن الغد في الحاضر يبحث عن نقاط الالتقاء، ويشكِّل سداً أمام الأصوليات. لم يكن تَديُّنهُ حائلاً دون علمانيته. ولم تكن علمانيته عبئاً على تدينه. فالدين للّه والوطن للجميع.

مَنْ منّا لم يقف حائراً أمام قُوّة إيمانه بالعودة القريبة. كان بصره كبصيرته يخترق الضباب الأسود. كنت شاهداً عليه وهو يستعد لركوب البحر من بيروت إلى ما لا نعرف، إلى مجهول بعيد. سأله أوري أفنيري: إلى أين أنت ذاهب؟ فردَّ على الفور: إلى فلسطين. لم يصدِّق أحد منا هذا الجواب الهارب من الشعر. فلم تَبْدُ فلسطين، من قبل، بعيدة كما تبدو من هذا البحر.

كان خارجاً من حصار شارون. نجا من ملاحقة الطائرات ومن عدسة القنَّاص. ومضى في رحلة أوديسية، محملاً بنهاية مرحلة، ليقول: أنا ذاهب إلى فلسطين.

أعاد ترميم الرحلة والحكاية. نجا من غارة على غرفة النوم في تونس. ونجا مرة أخرى من سقوط طائرته في الصحراء الليبية. ونجا من آثار حرب الخليج الأولى، ونجا من صورة الإرهابي، واستبدلها بصورة الحائز على جائزة نوبل للسلام. وحقَّق نبوءته التي سكنته طيلة العمر: عاد إلى أرض ميعاده، عاد إلى فلسطين.

لو كانت تلك هي النهاية، لانقلبت التراجيديا الإغريقية على شروطها. لكن شارون العائد من ضواحي بيروت نادماً على ما لم يفعل، سيلاحق خصمه الكبير في رام الله، سيحاصره ثلاث سنوات، سيحول مقره أطلالاً، وسيسمّم حياته بالحصار والعزلة، وسيحرمه من الموت كما يشتهي: شهيداً في مقره. فإن شارون لا يحارب الشخص ونصَّه الوطني فحسب، بل يحارب إشعاع الرمز في الزمن، ويحارب أثر الأسطورة في ذاكرة الجماعة.

لكن ياسر عرفات، الذي يعي بعمق ما أعدَّ لنفسه من مكانة في تاريخ العالم المعاصر، أشرف بنفسه على توفير وَجَعٍ ضروري للفصل الأخير من أسطورته الحية. فطار إلى المنفى ليلقي عليه تحية وداع، أسلم معها روحه، فالبطل التراجيدي لا يموت إلاّ في المنفى. وفي طريق عودته المجازية، عرَّج ذو الهوى المصري على مصر ليسدِّد لها دَيْنَها العاطفي. وعند عودته النهائية، التي لا منفى بعدها، ألقى النظرة الطويلة الأخيرة على الساحل الفلسطيني المغروز كسيفٍ في خاصرة البحر... ونام. تدثّر الجسدُ الخفيفُ بأرض الحلم الثقيل، ونام... لا لينهض كصنم أو أيقونة، بل فكرةً حية تحرضنا على عبادة الوطن والحرية، وعلى الإصرار على ولادة الفجر بأيدٍ شجاعة وذكية.

إن صناعةً للوهم تزدهر الآن في مَكان آخر. فعلى مستويات عالمية وإقليمية يجري الاحتفال المبكر برؤية فجر كاذب، يبزغ من رحيل عرفات الموصوف بأنه كان العقبة الرئيسة أمام تقدم عملية السلام. ليكن، فما هي الرؤية الجديدة؟ سيُمْتَحن القانون الدولي والمرجعية الدولية ما دامت العقبة قد زالت، فهل سيزول الاحتلال؟ لن ينتظر العالم طويلاً ليدرك أن لاءات شارون الأربع، التي تبنَّاها الرئيس الأميركي، لا تشكل العقبة الكبرى أمام السلام فحسب، بل تجعل السلام مستحيلاً، لأنها تجعل امكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة أمراً مستحيلاً، فلا يستوي السلام مع استمرار الاحتلال والسيطرة على مصير الشعب الفلسطيني، كما لا يستوي المؤقت مع الأبدي. فمَن، بعد عرفات، سيرضى بشبه دولة مؤقتة إلى الأبد؟

سنفتقده دائماً، في الأزمات وفي المفاوضات، وفي جميع نواحي حياتنا، لأنه جزء عضوي منها، ولأنه فريد وبلا مدرسة. فالعرفاتية لا تقوم إلاّ على صاحبها، لأنها موهبة خاصة، حيوية وألفة ونشاط خارق، ومزايا شخصية لا تُورث، وفوضى ونظام معاً، وعلاقات حميمة مع الناس جعلت الكاريزما العرفاتية ما هي عليه. بعد عرفات لن نعثر على عرفاتية جديدة. لقد أَغلق الباب على مرحلة كاملة من مراحل حياتنا الداخلية. لكن الباب لن ينفتح، بغيابه، على قبول الشروط الإسرائيلية التعجيزية لتسوية لم يبق للفلسطينيين ما يتنازلون عنه. هنا، تواصل العرفاتية فعلها. وهنا، لا يكون عرفات فرداً، بل تعبيراً عن روح شعب حيّ.

في كل واحد منا ذكرى شخصية منه، وعناق وقبلة. وفي كل واحد منا وعيُ هويةٍ لا تعاني من قلق التعريف: لن نكون فلسطينيين إلاّ إذا كنا عرباً. ولن نكون عرباً إلا إذا كنا فلسطينيين. فهذه الهوية مستعصية على المراجعة والتفاوض، سواء قام الشرق الأوسط الجديد أو لم يقم. ولن نكون ما نريد أن نكون إلاّ إذا عرفنا كيف ننهي عملية الخروج من تاريخنا ومن التاريخ الإنساني، وكيف نعود إليهما، بكل ما أوتينا من طاقات وتجارب ومواهب.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة