الأحد 2024-12-15 15:48 م

زهرة الأقحوان الأبيض

12:02 م

د. محمود علي الطهراوي - ما أجمل! أن نعود بالذاكرة إلى أيام الطفولة الجميلة رغم قساوتها، ولكنها جميلة ببراءتها وبساطتها وعفويتها، وتخال من روعة الأحداث فيها من الخرافةِ وهي صدق.


فقد كنت أذكر عندما تكون أمي حاملاً بأحد إخوتي الأصغر مني سناً أعمد إلى زهرة الأقحوان ذات الوريقات البيضاء المتعددة حول مركزها الأصفر، فابدأ بسحب الورقة تلو الأخرى.

قائلاً : بنت- ولد- بنت- ولد – بنت وهكذا..... الخ. ولطبيعتي الذكورية وميلاً عفوياً لجنسي كنت أتمنى أن يكون ولد - ولله الأمر من قبل ومن بعد -.

وبعد أن كبرتُ وكبرت والدتي أطال الله في عمرها وانقطع حيضها وبيضها، ما كنتُ أتوقع أن أعود إلى مثل هذا اللهو البريء الصادق.

وهكذا عدنا.... فكيف عدنا؟ ولماذا عدنا؟ ومن الذي أعادنا؟ ولكنه عودٌ ليس بريئاً ولا عفوياً هذه المرة ولكنها عودة إحباط ومرارة. لأنه قبل سنوات ليست بعيدة ولا زالت حاضرة في الذاكرة. تم ضم بلدية سحاب إلى أمانة عمان الكبرى ، ثم أعيدت بلدية ثم طالبنا أن نعود إلى أحضان الأمانة، ثم حرقنا الإطارات لنعود بلدية تحت شعار ( احرق ثلاثة عجال وخذ بلدية) فعدت- بعد أن كبرتُ وكبرت طموحاتي وصرت دكتوراً – إلى زهرة الأقحوان الأبيض قائلاً: بلدية – أمانة- بلدية- أمانة- بلدية. فكنت أتمنى أن نبقى مع الأمانة (علماً أن الأمانة مؤنث والبلدية مؤنث ولم يكن التحيز للجنس هذه المرة) مع بعض التحفظات والعديد من الملاحظات، وكذلك وجود مزايا هنا وسلبيات هناك لا مجال لحصرها أو تفنيدها في هذا المقال.

ولكني حتى هذه اللحظة أعتقد جازماً أننا لم نعي الدرس ولم نستوعب التجربة بعد ما آلت إليه الأمور من سوء البنية التحتية، وتراجع خدمات النظافة إلى أدنى مستوياتها، وتكدس الموظفين غير المبرر، والإنتاجية المنخفضة، والديون الهائلة، والقائمة تطول.

ومحاولة التخلي عن بعض شواهد المدينة ورموزها وابرز مكتسباتها لعدم القدرة على دفع رواتب الجيش الجرار من الموظفين، في القاعة الثقافية، والإستاد الرياضي، والحديقة العامة، والبلدية ذاتها ( والحديث عن نقل مسؤوليات، والتخلي عن جوهر المهمة) وفي رأيي المتواضع أقول إذا لم نستوعب التجربة المريرة - ونتعلم من أخطاء غيرنا، فالكيس من تعلم من أخطاء غيره، والشقي من تعلم من أخطاء نفسه، وأشقى الأشقياء من لم يستفد منهما جميعاً أو من أحدهما-

سنعود إلى طريق الضياع والتخلف من جديد، وتنتقل البلدية من كونها أداة من أهم الأدوات التي ترعى مصالح المواطنين، وتقوم على خدمتهم، ووسيلة من أبرز وسائل التفاعل والتعاون مع المجتمع المحلي، إلى التركيز حول شخصية الرئيس، من هو؟ ابن من هو؟ من أي عشيرةٍ هو؟ وبالتالي يصبح هذا الرئيس يعبر عن مصالح بطانته ومحاسيبه دون مراعاةٍ لمصالح المواطنين على رقعة المدينة. وأخيراً إن ما فاقم أزمة المدينة وأحبط مواطنيها إلا قمع النخب المثقفة والعقول النيرة من أصحاب الأفكار والمبدعين لصالح عشيرة أو فئة منتفعة أو أشخاص يعزفون على أوتار التملق والتزلف والنفاق.

والله ولي التوفيق

د. محمود على الطهراوي
نائب رئيس منتدى سحاب الثقافي
23/06/2013


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة