الأحد 2024-12-15 11:27 ص

سَنَةُ خيرٍ

01:28 م

ما كان الناس يقولونه وما زالوا مع كل موسم خريف وشتاء يحمل كميات من الامطار وتتابع في (الشتوات) او كما نسميها الآن المنخفضات: انها سنة خير، أي عام يُكرمهم الله تعالى به بالماء الذي يعني موسماً زراعياً طيباً، ومياهاً للشرب، وربيعاً أخضر للحلال، وما ينتج عن هذا من موسم خير للبن (الجميد) والسمن البلدي، فكان التفاؤل يملأ النفوس لأن وجود الشتاء وتتابعه يعني الخير والرزق الواسع ومياه الشرب في عيون الماء بما يكفي في أيام الصيف والربيع .

وفي أيام الشتاء، التي نسمع عنها من كبارنا كان الناس يعانون في قراهم وبواديهم، وكانت الثلوج تغلق البيوت اياماً، ولم يكن يومها تقوم الدنيا وتقعد اذا اغلقت الطريق، فالناس مطالبها بسيطة وفرحها بموسم الخير والشتاء والثلج أكبر بكثير من اي معاناة.
وربما في حينه لم تكن ثقافة التذمر كما هي الآن، حيث يضيع صوت صاحب الحاجة الملحة في زحمة التذمر الشامل، فالغني يتذمر قبل الفقير، يتذمر من القوانين ونقص الأرباح، واحياناً تذمراً يطرد العيون واشياء اخرى.
«سنة الخير» مثل هذا العام الذي أكرمنا الله تعالى به بأمطار طيبة، كان فرح الناس بأثارها الايجابية على حياتهم تضيع أمامها أي معاناة، بينما اليوم يكون التحفز لدى البعض مع كل منخفض للبحث عن قضايا للشكوى والتذمر، فكل الاذاعات ببرامجها الصباحية والمسائية ترفع اصوات الشكاوى، وكذلك كل منابر التعبير، والبعض لا يُعاني لكنه يشتم ويتذمر ليمارس ثقافة لديه بناءً على ما يسمع حتى لو كان ما يسمع دقيقا.
لا ندافع عمن يخطئ من المؤسسات والمسؤولين فكل مخطئ يجب ان يُحاسب، ويجب ان تقدم الخدمات للناس، لكننا نتحدث عن تذمر مفتعل مثل صوت مواطن يناشد جلالة الملك ان يؤمن له جرة غاز في احد المنخفضات، وهو مطلب ربما نفهمه في منطقة مغلقة من الثلوج لكن من شتوة عادية سبقتها عدة نشرات وتحذيرات لم تدفع المواطن لتفقد حاجات بيته وانتظر حتى سقطت الأمطار ليتصل بوسيلة اعلام ليطلب جرة غاز من الملك، فان الامر لا علاقة له بتقصير مؤسسة او تلكؤ مسؤول.
وما دمنا ضمن ثقافة التذمر فان بعض ما نسمعه يشير الى تكلف واستغلال، فنسمع من يطالب بمن يتبرع له بتكلفة عمرة، مع ان الله تعالى لا يكلف نفساً الا وسعها، ونسمع عن شخص يقول ان أولاده بلا خبز منذ اسابيع، فكيف يعيشون، لكنه الاستغلال لكرم أهل الخير واحتيال يضيع معه صوت المحتاج الحقيقي، ثقافة التذمر تتسع وليست مرتبطة بحجم المعاناة او الحاجة، وهي في كافة المجالات من سياسة واقتصاد ومجتمع، وجزء من تفسير الأمر هو غياب الموضوعية والنظر فقط من باب المصلحة الخاصة، فالدنيا ربيع عندما تكون مصالحنا مزدهرة، وعكس هذا عندما تتعذر مصالحنا ، والمتذمرون من الكبار أكثر بكثير من عامة الناس .
نحتاج الى تلك الروح التي كانت لدى ابائنا واجدادنا، وهم يفرحون بسنوات الخير حتى وبيوتهم تُغلق ابوابها الثلوج وليس فيها الا الخبز وشيئاً من اللبن والسمن، وربما التمر، روح الرضا والتفاؤل التي لا تعني عدم السكوت عن أي خطأ بل تعني صناعة الأمل والتفاؤل وشكر النعم .


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة