الأحد 2024-12-15 19:48 م

سنمار .. ضحية صراع العرب والفرس

10:44 م

الوكيل - يكتبها سامح المحاريق - حظيت شخصية النعمان بن المنذر بكثير من الاهتمام بين العرب قبل الإسلام، وتروى العديد من القصص تتوزع بين الممكنة وغير الممكنة التصديق، ومن أشهر ما يروى عنه أنه وضع يوما للبؤس وآخر للسعد، بحيث أنه يقتل أول شخص يلقاه في يوم البؤس، ويجزل العطاء لأول شخص في يوم السعد، وهذه قصة لا يمكن الاعتقاد بصحتها، ذلك أن هذه العادة تنسب له مرة ومرة لوالده المنذر بن ماء السماء، ولم تكن في شخصية النعمان الخفة التي تتطلبها هذه المغامرات وإنما نسجت حوله هذه القصص لتبين مدى سلطته وقوته.

بلغت سلطة النعمان الحد الذي جعله يفكر في تحدي الفرس الذين كانوا يمرون بأزمة داخلية تتعلق بوراثة العرش، ولرجل بذكائه كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوض، وكان النعمان مستاء من الطريقة التي ينظر بها الفرس إلى العرب، ولم يستطع أن يقوم بمعادلة التوفيق بين الترفع على العرب والتذلل في بلاط كسرى، لذلك كثيرا ما أغضب كسرى في المحاورات بينهما، وأضطر كسرى إلى تقريب عدي بن زيد على حساب النعمان، والأخير كان يعمل في بلاط ملوك الحيرة، وأدى مقتل عدي بن زيد إلى التوتر المكبوت بين كسرى والنعمان رجله الأول على العرب، وتراشق الاثنان بالألفاظ حين تلقى النعمان معايرة كسرى بأن العرب أمة وضيعة مقارنة بالفرس والروم وغيرهم من الأمم، فما كان من النعمان إلا الرد بطريقة موجعة أن أيا من هذه الأمم لا يستطيع الرجل فيها أن ينسب نفسه إلى جده ولكن العرب يمكنهم أن يتتبعوا سلسلة النسب لأجيال طويلة، وفي ذلك تعريض بمسألة الشرف والعفة بين العرب والفرس.
كانت هذه بداية النهاية بالنسبة للنعمان، فطلب كسرى أن يدفع له بإحدى بناته ليتزوجها أو يأخذها جارية ورفض النعمان فجرى قتله في النهاية وداست الفيلة قبره، ويقال أن الشقائق نبتت على القبر بعد ذلك فعرفت بشقائق النعمان، إلا أن الاستفزاز الذي مثله النعمان بدأ قبل ذلك مع بناء قصر الخورنق، فالعرب لم يكونوا أهل بناء وعمران في تلك المرحلة، وكانت بيوتهم متواضعة لا يمكن أن تقارن ببيوت الفرس أو الروم، عدا عن قصورهم، ولذلك استقدم النعمان المهندس الرومي (سنمار) ويقال أنه نبطي ليشيد له قصرا كبيرا يتفوق على قصور الفرس، وبالفعل كان القصر الذي عرف بالخورنق والذي يجهل إلى اليوم أين موقعه تحديدا، ولكن الكتب التراثية تصفه بكثير من الإجلال لضخامته وروعة بنائه وزخرفته، ويقال بأن سنمار تباهى بأن في القصر قطعة من الحجر لو أزيحت لسقط القصر كله، وأن النعمان قتله كيلا يخبر أحدا بهذه القطعة، وهذه قصة لا يمكن تصديقها بسبب أنها تخالف الحقائق الهندسية فلا يوجد قصر يمكن أن ينهار بأكمله لمجرد تحريك قطعة من الحجر، ولكن ما يمكن تصديقه هو أن النعمان قتل سنمار ليمنعه من بناء قصر مماثل عند الفرس أو الروم، فليس معقولا بعد أن أنفق مبالغ هائلة للخروج بهذا القصر ليرد على الفرس عمليا أن يتيح لمهندسه الرئيسي الفرصة ليمنح الفرس فرصة بناء قصر مماثل أو أفضل منه حيث يمتلكون الكثير من الموارد الضخمة مقارنة بالنعمان.
يبدو أن مشكلة النعمان كانت رغبته في الاستقلال بمملكة الحيرة وأن تبقى هذه المملكة حائلا دون سيطرة الفرس على الأراضي العربية، بما يعني أنه حاول أن يكون ملكا حقيقيا على العرب وليس مجرد أداة بيد الفرس، ويدلل على ذلك الموقف الذي اتخذته قبائل بكر ومن معها من ربيعة لحماية نساء النعمان بعد وفاته وكانت رغبة الفرس في الحصول عليهن لإذلال النعمان بعد وفاته، هي السبب في موقعة ذي قار التي انتهت بانتصار العرب على الفرس، ولو لم يكن النعمان على قدر كبير من النبل والمرؤة لما وقفت القبائل العربية حول هانئ بن مسعود الشيباني لتذود عن إرث النعمان وتحمي بناته.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة