الأحد 2024-12-15 03:46 ص

طابور الحياة

07:30 ص

التجربة التي تتكرر كلّ شتاء ؛ هي طابور الخبز ..تشعر حينها أن هذه الكتل البشرية تزاحم على آخر رغيف خبز سينتجه الكون ولا خبز بعده ..! تشعر أن هذه الطوابير ما وقفت تلك الوقفة إلا لتودّع الرغيف إلى مثواه الأخير ..! تشعر أن الحياة كلّها تتوقف الآن مع هطول أوّل برميل ماء قادم من السماء..!



وقفتُ مثلي مثل بقية الواقفين ..الطابور طويل ..وصاحب المخبز يعلن أنه فاتح (24 ساعة) و الطحين موجود ..ومع ذلك أصرّ كثيرون على الشراء بثلاثة وأربعة وخمسة دنانير..وكأنه الخبز الأخير كما قلتُ لكم ..! هناك عدم ثقة بأن الرزق من عند الله ..وهناك طمع لا حدود له ..وهناك أنانية مفرطة لمجتمع يدّعي بأنه يريد أن ينتصر ويريد أن يتحضّر ويريد أن يصنع التكافل و التشاركية ..!


أي مجتمع هذا الذي يصنع الطابور بيديه ..؟ أي مجتمع هذا الذي يتعامل مع الأشياء وكأنها جزء من تركة أبيه له ..؟ أي مجتمع هذا الذي يعطيك محاضرات طويلة عريضة عن النهوض وهو لا ينهض لينفض الغبار عن نفسه ..ليكتكت ما علق به من كسل و وهن ..؟!


لا يدرك الواقفون في طابور الخبز أنهم واقفون في طابور الحياة ..هذه الحياة التي تخصهم ..فطوابيرهم كلّها انتظار لن يؤتي أُكُله وهم ينكشون في مناخيرهم لكي تمطر السماء عليهم ذهباً وفضّة ..! يصنعون الطوابير و يدخلونها بأرجلهم وكلّ غاياتهم أن يظفروا بشيء ؛ ما هو ؟ لا يعلمون ..وكأن النكتة تصدق حين تقول : أن طابوراً يزداد كلّ لحظة و يطول و يطول ..وكل واحد يسأل الذي أمامه : ليش واقف في الطابور ؟! فيجيبه : لا اعرف وجدت اللي قدامي واقف فوقفت ..حتى يصل السؤال إلى الأول في الطابور ويسألونه :ليش واقف ..؟ فيجيب : نزلت اربط رباط حذائي وحين رفعت رأسي وجدت كل الناس واقفة وراي في طابور ..!! وحين يقولون له : طيب ليش ما تروح ..؟ أجاب : واترك الطابور وأنا فيه الأول ويروح عليّ دوري..؟!!!


هذا نحن ..بكل اناقتنا ..بكل طابورنا الذي لا يبدأ في الخبز ولا ينتهي عند الموت ..! تطوبرنا الحياة وإننا للطابور لمخلصون..!


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة