الإثنين 2024-11-25 03:40 ص

عَطَش!

07:35 ص




في ذلك الصباح الذي كان فيه عابر البيداء يُطاردُ ذا الثوب الأزرق الطويل الفَضفاض، كانت شمس آب مُنهمكة في غَزْل جمرها لتحيله خيوطا من نار كي تُحيك بها بِساط الوَهج الحارق الذي سَتفرشه فوق رمل كُثبان الصحراء، وقيعانها الفسيحة المُشَقّقة.



لم يَطل الوقت كثيرا حتى كان ذلك البِساط قد غطى كامل مساحة البيداء ما جعل الزواحف تنتصب لتقفز على ذيولها في تنقلها خشية أن تُشوى بطونها بنار بساط الشمس!


في تلك الظهيرة القاسية لم يجد عابر البيداء ظِلا يستظل به سوى ظل قميصه الذي خلعه وفرَدَه فوق أغصان شُجيرة غضا لم يَعُد في شرايينها ماءٌ يجري فَيبِسَت.


أدخَل رأسه في عتمة الظِل بينما بَصره يَرصد حركة ذي الثوب الأزرق الذي خُيّل له أنه قد تَمَدّد على رمل الصحراء البعيد مُتكئا على ساعده غير مُبال بمن يُطارده.


غَفى عابر البيداء العَطِش وراح يَحلم، فرأى فيما يراه النائم جَدولا رَقراقا يَجري حتى كاد أن يسمع صوت مائه وهو يمُر على الحَصى ليغسله، وكاد أن يسمع صوت ريشات عُصفور كان يغمسها بماء الجدول ليستحم، ورأى فيما يراه النائم نُسوةً يحملن الجرار ويقصِدن نبع ماء تُحيطه أشجار الحور الباسقة، ولما اشتد عطشه آناء الحُلُم رأى فيما يراه النائم غَزالةً عَطشى تبحث بين أعشاب الغابة عن قطرة نَدى منسيّةلم يلتقطها طيرٌ بعد.


ظن عابر البيداء أن ظِل قميصه سيُنسيه العطش، لكن أسياخ الشمس التي كانت تنغرس في ظهره العاري أعادت له ذاكرة العطش فأفاق ليجد أن ذا الثوب الأزرق قد غاب عن بصره تماما، وأن الشمس قد راحت بعيدا إلى مَغيب خلف الكُثبان الرملية العالية.
حينها أيقن عابر البيداء بأن سراب ذي الثوب الأزرق الذي كان يُطارده يغيب مع غياب الشمس!


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة