الأحد 2024-12-15 16:38 م

«عقلانية» .. حلف شمال الأطلسي!

08:22 ص




قد يكون العنوان ساخراً – بل هو كذلك – لكن الأمر «المُستجِد» يستدعي التوقف عنده، وبخاصة ان الحديث يدور عن «فتور» في موقف حلف شمال الاطلسي من حال قرع طبول الحرب التي تستبد بدولة عضو فيه والمقصود هنا.... تركيا اردوغان، التي تبدو مواقف ساساتها وعلى رأسهم رئيس الجمهورية اردوغان... مُتناقِضة، عُصابِية وغير مُستقِرة، تعكس – ضمن امور اخرى – تَقلّص هوامش المناورة والفقدان المُتسارِع لمُجمل «الاوراق» التي ظنت انقرة وخصوصاً رئيسها، انها تتوفر عليها, فإذا بها بلا رصيد وغير قابلة للتداول او الصرف، سواء في ما خص الاستخدام المُفرِط والمُكثّف والمكشوف لجُموع الارهابيين الذين تم «استيرادهم» من مختلف بقاع العالم حتى وصل عدد جنسياتهم الى (132) وفق اجهزة الاستخبارات الاجنبية وتحديدا الاميركية، ام في ما خص «الاستقواء» بحلف شمال الاطلسي والمحاولات التركية التي لم تتوقف حتى اللحظة, لاستدراج الحلف الى الساحة السورية وبخاصة بعد الانخراط الروسي المباشر في الأزمة السورية اعتباراً من الثلاثين من ايلول الماضي وليس انتهاء بحادث «المَرْجَلة» الذي افتعلته تركيا في الرابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي, يوم اسقطت طائرة سلاح الجو الفضائي الروسي (سو24) ما «أنتج» مشهداً جديداً خرجت منه انقرة المُتباهِية او المُكابِرة او التي تستبد بها «اوهام» العثمانية الجديدة.. خاسرة جداً.



ما علينا..


عندما تم تكبيل ايدي واذرعة انقرة الجوية والعسكرية (حتى لو قامت مؤخراً باستعراض مدفعي مكثف, لن تحجب «أدخنته» الحقائق او الهزائم الميدانية التي لحقت بالمشروع التركي)، إلاّ ان عيون انقرة وراداراتها «السياسية بالطبع» لم تفتأ تلاحق بروكسل (بما هي مقر الناتو) كي تقول لها ان عليها تطبيق «المادة الخامسة» من ميثاق حلف شمال الاطلسي, الذي تقول ان الحلف مُتضامِن مع اي دولة من دوله في حال تعرضها لأي عدوان.


انقرة من جهتها ارادت «ليّ» ذراع المادة المذكورة, والقول للجميع انها تتعرض لعدوان «روسي»، لكن الحلف الذي اجتمع اكثر من مرة، وأصدر اكثر من بيان تضامن «كلامي» مع تركيا، التي كانت خلف الدعوة لاجتماعات عاجلة للحلف، لم يُغادِر مُربع الحذر والتحذير في العين ذاته، من مغبة استفزاز روسيا او الانزلاق نحو حرب غير ضرورية... معها.


هنا أُسقط في يد الرئيس اردوغان, الذي راح يوجه سهام انتقاداته الى الاطالسة مختاراً واشنطن, الذي يعرف انها صاحبة القرار في الحلف، مُهدِداً اياها باغلاق قاعدة انجرليك التركية امام طائراتها (كآخر نسخة في مسلسل تهديداته)، داعياً اياها في غضب, الى الاختيار بين أنقرة وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD الكردي السوري، الذي يُصنِفه كإرهابي ويرى فيه ذراعاً من اذرعة حزب العمال الكردستاني PKK, الارهابي هو الآخر وفق «المسطرة» التركية المعروفة.


الأطالسة الذين خاضوا حروباً ليست لهم بدفع ودعم وضغط (إقرأ أوامر) من الولايات المتحدة, «حَذّروا» تركيا من مغبة افتعال حرب من موسكو او الاندفاع نحو مواجهة عسكرية معها.والذي تقدم الصفوف هذه المرة (كون بلاده ترأس الحلف هذه الأيام) هو وزير خارجية لوكسمبرغ جون اسيلبون, الذي قال في وضوح لمجلة دير شبيغل الالمانية في عددها الصادر يوم أمس: ان «الحلف لن يَنْجرّ الى حرب مع روسيا، على خلفية التوترات المتزايدة بين أنقرة وموسكو»..


وبخاصة ان مواد القانون الأساسي للحلف لا تعني تضامناً (آلياً) مع تركيا, كون المادة «الوحيدة» التي تجبر الحلف على التدخل, تَنص على «ضمان تدخل الحلف, فقط عند تعرض دولة عضو الى اعتداء واضح وصريح من قبل دولة اخرى من خارج الحلف,وهذا ليس متوافراً في الحال التركية كما قال الوزير اللوكسمبرغي.


هل قلنا لوكسمبرغ؟ نعم فذات لحظة غضب قال اردوغان مُتهَكِماً على موقف تلك الدولة «الأطلسية»: لوكسمبرغ.. مجرد مدينة صغيرة في تركيا (كذا).


.. في السطر الأخير تبدو تركيا وحيدة في ظل مشهد اقليمي ودولي, يستشعر مخاطر النزعة العسكرية ومشاعر الغطرسة والاستعلاء التي تهيمن على بعض العواصم الاقليمية وعلى رأسها أنقرة، لكن الغرب «الأطلسي» غير مستعد لسفك نقطة دم واحدة من دماء ابنائه وبناته، ارضاء لعيون من يظنون انهم حلفاءه.


هذا لا يعني–أخيراً–ان «الأطلسي» عقلاني او يروم السلام، والاّ كُنَا رأيناه تفكك واختفى تماماً بعد ان انتهى حلف وارسو واختفى الاتحاد السوفياتي، الذي اقيم الحلف الاطلسي (زَعْمَاً) من أجل مواجهته عسكرياً وتقليل مخاطر الشيوعية على مجتمعاته سياسياً وفكرياً، لكن النزعة الاستعمارية والامبريالية, لم تغادر ادمغة من اوجدوه، بل راح يتوسع ويُوسِع من ساحاته, حتى وصل افغانستان، وها هو «يخترع» دوراً عسكرياً لليابان، كما لألمانيا، اللتين فرض عليهما «دساتير» سلمية واستسلامية، لكنه الآن يُوقِظ لديهما النزعة العسكرية العدوانية, كي تخدم اهدافه التوسعية.. فهو ليس عقلانياً ابداً، لكن في الحال التركية حتى الآن.. يبدو أكثر تَمَهُلاً لأسباب عديدة, يعرفها مخططو الحلف وواضِعو... استراتيجياته.



gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة