الأحد 2024-12-15 16:18 م

فضيحة جديدة تعصف ببنوك بريطانيا

04:11 م

الوكيل - رويترز- حين ذهب رجل الأعمال كولن جونز إلى بنك محلي لطلب قرض عام 2007 لم يكن يعرف الكثير عن «مبادلة أسعار الفائدة» ناهيك عن «منتجات النطاق المهيكل». أراد جونز اقتراض 400 ألف جنيه استرليني (630 ألف دولار) لشراء فندق صغير في نورث ويلز. وقال له رويال بنك أوف سكوتلند إنه يمكنه الحصول على القرض إذا اشترى «مبادلة» وهي منتج تأميني مصمم لحماية المقترض في حالات ارتفاع أسعار الفائدة. واليوم يشعر جونز بالندم للتوقيع على هذا الاتفاق، مثله مثل عدد متزايد من ملاك الشركات الصغيرة في بريطانيا. فقد خسر الرجل فندقه في يوليو من العام الماضي بعدما أدى الانخفاض الحاد في أسعار الفائدة أثناء الأزمة المالية العالمية إلى زيادة المستحقات السنوية على القرض إلى 30 ألف جنيه وهو ما يعادل قيمة قسط السداد.


ويقول جونز «خسرت بيتي وزوجتي.. خسرت احترامي لذاتي واحترام المجتمع المحيط بي لأنهم لا ينظرون في خلفية ما حصل. الناس تفترض أنك أخطأت وحسب».

تورط رجل الأعمال البالغ من العمر 48 عاما في ما قد يصبح الفضيحة الكبيرة التالية للقطاع البنكي البريطاني. ويطالب عدد متزايد من الشركات التي اشترت منتجات التأمين التي أصبحت محل نزاع بتعويضات. ويقول مستشارو هذه الشركات إن الفاتورة قد تصل إلى مليارات الجنيهات. وتواجه بنوك بريطانية بالفعل مطالبات بقيمة 8.8 مليارات جنيه كتعويضات في منازعات بشأن منتجات تأمينية أخرى.



عملية مراجعة

وافقت بنوك كبيرة مثل باركليز واتش.اس.بي.سي ولويدز ورويال بنك اوف سكوتلند على مراجعة مبيعاتها من منتجات تتضمن مبادلات لأسعار الفائدة في يونيو، بعدما قالت هيئة الخدمات المالية المنظمة للقطاع المصرفي البريطاني بوجود «أخطاء خطرة» في طريقة بيع هذه الأدوات للشركات الصغيرة. ووافقت سبعة بنوك صغيرة أيضا على مراجعة مبيعاتها من المنتجات نفسها. وحتى الآن لم تجنب البنوك سوى مخصصات متواضعة، لذلك إذ جنب باركليز ورويال بنك اوف سكوتلند أكبر مقرضي الشركات الصغيرة في المملكة 450 مليون جنيه و50 مليون جنيه على التوالي. والبنوك الأخرى ليست أفضل حالا. ويقول ستيوارت براذرز المحامي بمكتب اس.ار.بي ليجال ومقره نيوبورت والذي لديه عملاء يطالبون بتعويضات «البنوك تهون من حجم المشكلة». وتقول شركات صغيرة إن البنوك لم تشرح لها بالشكل المناسب هذه المنتجات المعقدة أو تحذرها من مخاطرها.

وتحدثت «رويترز» مع مجموعة من البنوك وموظفي بنوك سابقين وأصحاب شركات صغيرة واطلعت على مراسلات بنكية بالبريد الإلكتروني وتفاصيل محادثات هاتفية رسمت جميعا صورة لثقافة مبيعات ضاغطة، حيث يتعرض موظفو البنوك لضغوط لتحقيق مستويات المبيعات المستهدفة ما دفعهم لمخالفة قواعد هيئة الخدمات المالية التي تقضي بضرورة توفير «معلومات واضحة وعادلة وغير مضللة» عن منتجاتهم.



سمعة القطاع

وتهدد هذه المنازعات بأضرار أكبر لسمعة البنوك. فبينما تتعرض البنوك البريطانية حاليا لاتهامات بحرمان الشركات الصغيرة من التمويل في أعقاب الأزمة المالية تظهر المطالبات المتعلقة بمنتجات «المبادلة» أن بعض البنوك في السابق لم تجد غضاضة في منح القروض إذا اقترنت بمنتجات تأمين مربحة. ومن المفترض أن منتجات التحوط ضد ارتفاع أسعار الفائدة تحمي عملاء البنوك من زيادة سعر الفائدة وتجعل القيمة الواجب سدادها محددة بصورة أكبر. وتتخذ هذه المنتجات أشكالا عديدة، فبعضها يسمى «مبادلات» وأخرى تسمى «منتجات الحد الأقصى» وهناك «منتجات النطاق المهيكل» التي تسمح بتذبذب أسعار سداد القرض في نطاق محدد. وتتضمن المنتجات الأكثر تعقيدا لاسيما «النطاق المهيكل» عاملا مهما وهو أنه حين ينخفض سعر الفائدة الأساسي لبنك انكلترا المركزي بشكل كبير قد يجد المقترض نفسه فجأة يدفع مبالغ أكبر بكثير من توقعاته.

وأدى هذا إلى تكلفة باهظة على الشركات التي اشترت هذه المنتجات قبل الأزمة المالية التي تسببت في خفض درامي لسعر الفائدة الأساسي بواقع 1.5 نقطة مئوية في أكتوبر 2008 مع سعي بنك انكلترا إلى تحفيز الاقتصاد. وتم خفض سعر الفائدة أربع مرات تالية هوت بالسعر الأساسي إلى 0.5 في المائة وظل عند هذا المستوى.

وتأتي الاتهامات بأن البنوك لم توضح عواقب هبوط أسعار الفائدة في قلب العديد من القضايا التي يدعي أصحابها أنهم تعرضوا للتضليل من أصل 28 ألف منتج مبادلة تم بيعها لشركات صغيرة بين عامي 2001 و2008. ويتهم عدد كبير من المقترضين المضارين البنوك بعدم الإفصاح عن المصروفات الواجب دفعها لإنهاء التعاقد على منتجات التحوط قبل الأوان. ويقول جونز إنه وافق في ابريل 2007 شفهيا على صفقته في اتصال هاتفي مع مسؤول مبيعات في رويال بنك أوف سكوتلند وان الموظف قال له «غالبا يتم تقديم السعر عبر الهاتف» حسب نص المكالمة التي تم الحصول على تسجيل لها من البنك والذي اطلعت عليه رويترز. وخلال المكالمة التي استمرت خمس دقائق قال الموظف لجونز إن ارتفاع أسعار الفائدة «يبدو حتميا» بسبب بيانات أظهرت ارتفاع التضخم ونشرت في صباح ذلك اليوم.

وقال الموظف إن منتج المبادلة سيعمل على تثبيت سعر الفائدة على قرضه لخمسة أعوام ولم يخبره بما سيحدث إذا هبطت الأسعار. ولم يوضح الموظف لجونز بشكل مناسب تكلفة التخارج من عقد المبادلة قبل موعده. ويسعى جونز إلى تعديل التعاقد مع رويال بنك اوف سكوتلند في إطار عملية مراجعة أطلقتها الهيئة المنظمة للقطاع في يونيو. ورفض البنك التعليق على أقوال جونز.



مبيعات مكثفة

وتم تسويق منتجات مبادلة أسعار الفائدة بشكل مكثف بين 2005 و2008 قبل الهبوط الحاد في سعر الفائدة الأساسي. وفي السنوات الأخيرة من طفرة الائتمان الطويلة حرصت البنوك على بيع مزيد من المنتجات إلى قطاع الشركات المشبع بالديون. وكانت الخطوة المنطقية التالية هي توسيع نطاق عقود التحوط المربحة التي كانت في السابق تقتصر على الشركات الكبيرة لتشمل الشركات الصغيرة. ويقول أبهيشك ساشديف موظف المبيعات السابق في مجموعة لويدز البنكية والذي ترك منصبه ليلتحق بمجال تقديم الاستشارات عبر شركته الخاصة فيدانتا هيدجنج: «أعتقد أنه تم استخدام القروض كمنتجات تباع بسعر التكلفة أو أقل». وأضاف «إذا كان البنك يعرف أن كل قرض يقدمه ملحق به نوع من عقود التحوط فسوف ترتفع الربحية.» وتعرض مديرو البنوك لضغوط لكي يجلبوا الشركات الصغيرة إلى أقسام الخزانة بهدف توسيع سوق منتجات المبادلة حتى يبيعوا لهؤلاء العملاء منتجات تحوط. وتم تسويق هذه المنتجات باعتبارها صمام أمان وأحيانا تم طرحها كشرط للحصول على القرض.

وفي الوقت ذاته تم تخصيص مكافآت كبيرة لفرق المبيعات لتشجيعهم على تحقيق مستويات المبيعات المستهدفة الآخذة في الارتفاع آنذاك. يقول ساشديف «الجزرة كانت المكافآت. وكان مديرو علاقات العملاء يحصلون على حوافز. أما العصا فكانت إذا منح مدير العلاقات عميلا قرضا قيمته مليون جنيه ولم يقدم أي عميل إلى قسم الخزانة فإنه يعد مقصرا في تحقيق المبيعات المستهدفة للشهر الجاري وتضيع عليه المكافأة». ورفض متحدث باسم بنك لويدز هذه الرواية قائلا «نحن لم نبع منتجات مشتقات أسعار الفائدة على نطاق واسع لعملائنا من قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة». وأضاف أن ما يزيد على 90 في المائة من عملاء البنك من الشركات الصغيرة والمتوسطة اختار قروضا بسيطة بسعر فائدة ثابت. وقال المتحدث «نحن مشاركون بشكل كامل ونشارك في مراجعة منتجات مشتقات أسعار الفائدة وهذا سيتيح تعديل أوضاع بعض العملاء وفقا لمقررات هيئة الخدمات المالية».



سقف مرتفع

وقال جيمس دوكر موظف المبيعات السابق أيضا في بنك لويدز والذي يقدم المشورة حاليا لشركات صغيرة بشأن التحوط إن البنوك فتنت بالأرباح الطائلة التي يمكن أن تحققها من مبادلات أسعار الفائدة، وعلى هذا الأساس رفعت مستويات المبيعات المستهدفة. وأضاف «كنت إذا حققت أرباحا قدرها 200 ألف جنيه في السنة يتم رفع المبلغ المستهدف إلى 500 ألف في السنة التالية. من أين آتي بهذه الأموال الإضافية إذا؟ كانت الإجابة هي زيادة نسبة التوغل. أي أن عليك أن تبيع مزيدا من المنتجات لمزيد من العملاء وعليك أن تزيد الهوامش». وقال «كنت أسأل دائما ما هو سقف المبيعات المستهدفة لي... كان المستوى في ارتفاع دائم».

وأشار متحدث باسم لويدز إلى أن دوكر وساشديف لديهم مصلحة في تقديم المشورة لمدعين في هذه النزاعات، وقال «نحن نطلب دائما من العملاء الذين لديهم مخاوف أن يأتوا إلينا مباشرة. نحن حريصون على تسوية أمورهم إذا تسنى ذلك».

وليس موظفو المبيعات السابقون وحدهم من يهاجم البنوك. فقد قال جوتو بيب عضو البرلمان المحافظ الذي يمثل رجل الأعمال جونز في البرلمان البريطاني إنه سمع لأول مرة عن «مبادلات أسعار الفائدة» حين التقاه جونز خلال لقائه الأسبوعي مع الناخبين في دائرته في ويلز. ومنذ ذلك الحين أطلق البرلماني بيب حملة ضارية نيابة عن الشركات الصغيرة التي ادعت أنها تعرضت لخداع في شراء هذه المنتجات. وأبلغ بيب رويترز «كانت هناك حملة لبيع هذه المنتجات وبيعها لشركات أرى أن البنوك عرفت يقينا أنها غير مؤهلة بما يكفي لفهم طبيعتها». ومن العملاء غير الراضين عن المنتج بول رينولدز المدير العام لشركة سيتي استيتس ميدلاند ليمتد العقارية ومقرها برمنغهام. يقول رينولدز إن منتج تحوط اشترته شركته من بنك اتش.اس.بي.سي مع قرض قيمته 4.3 ملايين جنيه تحول إلى عقبة مالية. ويضيف أن تكلفة المنتج ارتفعت بعد الهبوط غير المتوقع لأسعار الفائدة في 2008 ودفعت شركته حتى الآن 1.2 مليون جنيه. وقال إن هذا العبء المالي أجبر الشركة على تسريح موظفين وبيع وحدات عقارية بأقل من سعرها الحقيقي. ويقول رينولدز إنه لم يتم تحذير شركته بشكل واضح من عواقب هبوط أسعار الفائدة أو إخبارها بوضوح بالقيمة الواجب عليها دفعها إذا أرادت التخارج من التعاقد مبكرا. رفض اتش.اس.بي.سي التعليق على هذه الحالة وعزا ذلك إلى ضرورة الحفاظ على سرية العملاء لكنه قال إنه يأمل في إيجاد تسوية مرضية من خلال عملية المراجعة التي تجريها هيئة الخدمات المالية. وأضاف البنك «نعتقد أن منتجات الحماية من (تقلبات) أسعار الفائدة هي أدوات مناسبة لمساعدة الشركات في إدارة أثر تقلبات سعر الفائدة وهي نفس وجهة النظر التي عبرت عنها هيئة الخدمات المالية والحكومة البريطانية في تقرير بشأن إصلاح القطاع المصرفي نشر في الآونة الأخيرة».



بنود غامضة

وتضمنت عقود التحوط بوجه عام بنودا تقضي بالتقادم بعد ست سنوات ما يقلل فرصة الشركات في الطعن على اتفاقات مبادلة أسعار الفائدة من خلال القنوات القانونية. وبما أن معظم منتجات التحوط بيعت قبل بداية التراجع الكبير في سعر الفائدة الأساسي عام 2008 يتعين على الشركات التي تظن أنها تعرضت لخداع تقديم مطالباتها قبل 2014.

وفي هذه الأثناء قد لا يجد آلاف الأشخاص في الشركات الصغيرة ما يفعلونه سوى الندم على اليوم الذي سمحوا فيه للبنوك بالتحدث إليهم عن عقود لم يفهموها جيدا. يقول رينولدز من شركة سيتي استيتس ميدلاند واصفا تجربته مع البنوك «يلازمني الغضب ليل نهار... أنا أكرههم».



8.8 مليارات إسترليني تعويضات محتملة

تواجه البنوك البريطانية، التي تعيش أصلا أوضاعا صعبة، احتمال دفع تعويضات قدرها 8.8 مليارات جنيه لعملاء شجعتهم على شراء منتجات تأمين لتغطية مدفوعات قروض رهن عقاري وقروض أخرى، تحسبا لفقد العميل دخله بسبب فقد الوظيفة أو المرض. وباعت البنوك هذه المنتجات التأمينية لكثير من العملاء غير المؤهلين لها أو الذين لم يدركوا أنهم يأخذون التأمين إلى جانب القرض. وتعاني الصناعة أيضا بسبب تحقيقات في ادعاءات بالتلاعب في سعر الفائدة القياسي بين بنوك لندن (ليبور) وهي فضيحة كلفت بنك باركليز 290 مليون جنيه. ومن الصعب تقدير التكلفة النهائية للتعويضات المحتملة في قضية بيع منتجات مبادلة أسعار الفائدة. فرغم أن الشركات الصغيرة اشترت 28 ألف عقد فقط، بينما اشترى ملايين المستهلكين الأفراد منتجات تأمينية للحماية في السداد سيكون متوسط تكلفة تسوية قضايا منتجات المبادلة أعلى بكثير على الأرجح. وتصل تعويضات بوالص الحماية في السداد إلى مئات أو بضعة آلاف الجنيهات، لكن تعويضات المبادلات قد تصل إلى ملايين. ويقول بيب إنه علم أن إحدى الشركات في دائرته حصلت على تسوية ودية بمبلغ 16 مليون جنيه بعد الادعاء بأنها تعرضت لخداع عند شراء منتج مبادلة.



آلاف الدعاوى القضائية

يقدر كريس هيل المحامي بمكتب بريسويل الذي يقدم المشورة القانونية لشركات صغيرة اشترت هذه المنتجات أن هذه القضية ستكلف البنوك ما بين ثلاثة وستة مليارات جنيه، مشيرا إلى زيادة مطردة في أعداد العملاء الذين يأتون إلى مكتبه مطالبين بتعويضات. وقال «الشهر الماضي كان الأكثر ازدحاما من حيث العملاء الجدد». وإذا رفعت شركات صغيرة دعاوى قضائية على البنوك بدلا من اتباع عملية المراجعة الخاصة بهيئة الخدمات المالية، فقد ترتفع التكلفة على البنوك بشكل كبير إذا أمر القضاء بتعويضات على «الأضرار المترتبة» أي فرص الأعمال التي ضاعت نتيجة التأثر بعقود المبادلة باهظة التكلفة. وقد ترتفع الفاتورة أيضا بسبب شركات إدارة الدعاوى التي تنجز الأعمال القانونية مقابل نسبة من التعويضات. وهناك اعتقاد على نطاق واسع بأن هذه الشركات تشجع مزيدا من العملاء على المطالبة بتعويضات. في المقابل، قد تؤدي المراجعة التي تجريها هيئة الخدمات المالية إلى خفض قيم هذه التعويضات. فحسب هذه الخطة يحق للعملاء غير المؤهلين فقط الذين اشتروا «منتجات النطاق المهيكل» الحصول على تعويضات تلقائية. ويتم تعريف هؤلاء العملاء على أنهم شركات تقل مبيعاتها عن 6.5 ملايين جنيه أو تشغل أقل من 50 موظفا أو تقل قيمة أصولها عن 3.26 ملايين جنيه.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة