الأربعاء 2024-11-27 14:59 م

فيتو «مُزدَوَج» .. «يتربص» بالمشروع الأميركي في مجلس الأمن

07:20 ص

بإصرار واشنطن على قيام مجلس الامن الدولي «اليوم» الحادي عشر من أيلول (وما ادراك ما الحادي عشر من أيلول) التصويت «رسمياً» على المشروع الذي اعدته لفرض عقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية، يمكن القول – اذا ما مضت ادارة ترمب قدما في رفض اجراء تعديلات على مشروعها الاصلي – أن ما قاله الرئيس الاميركي حول ان العمل العسكري ضد بيونغ يانغ ليس خياره «الأول»، لم يكن سوى مراوغة وتحايلاً، وانه لم يَقصِد ما استنتجه المحللون بان ترمب قد تراجع عن عدوانيته والتي ستدفع واشنطن وخصوصا حلفاؤها ثمنا باهظا، اذا ما قام بترجمة تهديداته ميدانيّاً.


المشروع الاميركي في نصه «الاصلي» الذي اعلنت موسكو وبيجين رفضهما الحازم له، ينهض على «تفويض» مجلس الامن القوات الجوية والبحرية الأميركية تفتيش سفن كوريا الشمالية، للتأكد من انها لا تحمل اسلحة أو «وقوداً»، اي فرض حصار «نفطي» على بلاد لا تنتج النفط وتعتمد عليه في شكل اساسي لأغراض «التدفئة»، حيث تعيش ظروفاً مناخية صعبة شتاءً، فضلا عن حظر استيراد المنسوجات منها وايضا «تجميد» اموال الزعيم الكوري في الخارج، وترحيل الكوريين الشماليين والعاملين في الخارج الى بلادهم (كمصدر للعملة الصعبة)، واذا ما اضفنا هذه العقوبات القاسية الموجهة لذلك البلد، الى ما كان مجلس الامن قبل شهر فقط قد اتّخذه من عقوبات ضد بيونغ يانغ، يحظُر على الدول الاخرى استيراد الفحم الحجري والقشريات البحرية منها، والذي يَحرِم موازنة تلك الدولة ذات الاقتصاد المنهك من حوالي مليار دولار سنوياً، فاننا نكون امام محاولة مكشوفة من قبل زعيمة العالم «المُتحضِّر والمُتنَوِّر» لنشر المجاعة والفقر والموت البطيء لنحو 25 مليون نسمة هو مجموع سكان كوريا الشمالية.ما يستدعي الحصار الإجرامي الذي فُرِض على الشعب العراقي وأودى بحياة اكثر من نصف مليون طفل، لم تجد الدبلوماسية الشمطاء مادلين اولبرايت كوزيرة للخارجية الأميركية في عهد كلينتون من اعتبارهم، ثمناً «ضرورياً» لإسقاط النظام العراقي(..).

ما علينا..

موسكو وبيجين عارضتا المشروع الأميركي خلال المداولات التي تجري بين «الخبراء»، وقد رفضت المندوبة الأميركية نيكي هالي إدخال اي تعديل عليه، وخصوصا الفقرات التي تتحدَّث عن تفويض القوات الاميركية مهمة تفتيش السفن الكورية الشمالية، وخصوصاً تلك التي تُلوِّح بـِ»عقوبات» تُفرض على «الشركات الأجنبية» اذا لم تلتزم ذلك القرار الذي تُصرّ واشنطن عليه.

لن تكون خيارات واسعة امام البلدين، اللذين لا يبدو ان واشنطن تتعاطى بايجابية او حكمة مع دعواتهما اعتماد الحل السياسي كخيار «وحيد» لحل الازمة, التي دفعت بها ادارة ترمب بِتهوُّر ملحوظ إلى صدارة جدول الاعمال الدولي, فضلا عن تجاهلها المبادرة المشتركة التي طرحها البلدان, والقاضية بوقف المناورات العسكرية (الإستفزازية التي تحاكي حربها الحقيقية على كوريا الشمالية كما تجب الإشارة) الاميركية واليابانية وخصوصاً الاميركية الكورية الجنوبية, وعدم المضي قدما في نشر المزيد من منصات منظومة الصواريخ من طراز THAAD التي رأت فيهما روسيا والصين تهديداً لموازين القوى الاستراتيجية في المنطقة، مقابل أن تُوقِف بيونغ يانغ تجاربها النووية والبالستية بعيدة المدى.

الفيتو «المزدوج» هو الوسيلة الوحيدة امام موسكو وبيجين لِلَجمِ الصلف الاميركي, اذا لم تتراجع واشنطن عن المشروع الاصلي الذي لا يترك امامهما المزيد من هوامش المناورة، لأن المشروع (في نصِّه الاصلي) يستبطن عقوبات متدحرِجة تمس مباشرة الصين التي تكاد الدولة الوحيدة التي تتعامل «تجارياً» مع كوريا الشمالية, وتستورد منها ما تنتجه الاخيرة من فحم حجري ومنسوجات وقشريات بحرية, ومعبَراً لشعبها كونها ذات حدود طويلة معها, اما روسيا فشريطها الحدودي اكثر ضيقاً من الحدود الصينية واستخدامه من قبل مواطني كوريا الشمالية محدود, حتى في التبادلات التجارية التي تقترب من الصفر او لا يُعتدّ بها في واقع الحال.

اذا ما استُخدِم الفيتو المزدوج, على النحو الذي يُذكّر بما فعلته الدولتان طوال الازمة السورية المُوشِكة على الانتهاء بعد الهزيمة المدوية التي لحقت بمشروع اسقاط الدولة السورية وتقسيمها, كما عملت على ذلك دول الغرب الإمبريالي وعلى رأسه واشنطن نفسها اضافة الى بعض الدول العربية، فان واشنطن ستتلقى صفعة دبلوماسية مدوية, تضاف الى سلسلة الصفعات التي ما تزال توجه الى ادارة الرئيس الاميركي المُرتبِكة والعدوانية, لكنها في المقابل قد تكون ذريعة لـِ»حزب الحرب» المُمْسِك بالقرار الاخير في البيت الابيض، للمضي قدما في الدفع نحو حل عسكري للازمة, التي بالغت واشنطن في استفزازها لبيونغ يانغ، حيث الاخيرة لا تطلب «سوى» الإعتراف بها وتعهّد واشنطن بعدم العمل على تغيير نظامها وتطبيع العلاقات معها.

اما عن «الهدايا» التي تُلوِّح بيونغ يانغ إرسال «المزيد» منها الى ادارة ترمب, فلا تعدو كونها جزءاً من «حرب» الدفاع عن النفس امام دولة عظمى قارفت جرائم الحرب وارتكبت من المجازر و»الإبادات» ما يفرض تقديمها امام محكمة الجنايات الدولية.

اللافت في كل ما يجري, هو ما ألحّ عليه أمين عام الأمم المتحدة غوتيرش في مقابلة مع صحيفة فرنسية عندما دعا الى الحفاظ بـ»أي ثمن» على «وِحدة» مجلس الامن, لانه الاداة الوحيدة التي يمكنها ان تقود مبادرة دبلوماسية لها حظوظ بالنجاح»..واصفا الازمة «الكورية» بانها اخطر ازمة يتعين علينا ان نواجهها منذ سنوات.لكن – ومن أسف – فإن واشنطن لا تقيم وزناً لا لمجلس الأمن ولا للقانون الدولي ولا لمصالح دول العالم أجمع.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة