الأحد 2024-12-15 18:08 م

قصة المنتخب سياسية ايضاً

06:29 ص

تعادل المنتخب الاردني مع الاورغواي،على ارض الاخير،على عكس الهزيمة الساحقة،هنا،تعادل يجب ان يخضع للتحليل العميق،لان القصة ليست قصة تشكيلة المنتخب،ولا خطة اللعب،ولا عبقرية المدرب،حتى لا نتورط فقط في التحليل الرياضي!.

هي ذات قصة كل اردني،يعيش هنا،في ظروف صعبة،وربما يتم تعريفه اجتماعياً ومهنياً،بكونه ضعيفاً وفاشلا ومتعثراً،واذا سافر للعمل في الخارج،انقلبت احواله،فيصير مضرباً للمثل،مبدعاً ناجحاً،ينافس كل اقرانه العرب،ان لم يتفوق عليهم.
«العباقرة» هلكونا تحليلا للانقلاب في النتائج،والفريق المهزوم في عمان -على ما يفترض- ان يلقى هزيمة اكبر في الاوروغواي،لان روحه المعنوية ُمحّطمة،والنقد اللاذع انهمر على رؤوسهم،والجمهور من حولهم وحواليهم،ليس لهم بالتأكيد في تلك الديار.
لم ينتصروا في ارضهم،وتعادلوا في ارض خصمهم،لان السر يتعلق بالبيئة،وقد تحرّروا هناك من الأعين الناقدة والمتابعة،ومن ضغط المتابعين واثقالهم والسنتهم،وأنفاس الالاف الذين يرقبونهم من المدرجات،كأشعة اكس الحمراء،والذين حّملوهم فوق طاقتهم،ومارسوا المّن عليهم،على دنانير التليثون،باعتبارها صدقات.
الطاقة السلبية هنا حرمتهم من اللعب بحرية ودون خوف،وهذا يقول ان لعبهم في مكان بعيد عن كل هذه المطارق والاعين،قدّم فريقاً،خرج منتصراً من المونديال،خروج بمذاق الفوز،وهذه قصة فريدة من نوعها.
حتى نفهم ما جرى في الاوروغواي،فان ذات القصة تنطبق على كل الكفاءات والمهن هنا،وليست حكراً على الرياضة وفنونها.
راتب قليل،اجواء نفسية سيئة،،خشونة في الحياة،موت بطيء،متطلبات ورغبات،شعور بالفشل،وان لا مستقبل في الافق،الكل يضطهد الكل،فتتحول الكفاءة هنا الى كائن ُمحّطم.
يخضع المرء فوق ذلك لبيئة عامة سلبية متتبعة،لا تمنحه القدرة على التحرر من كل الضغوطات،ويكفيه شعوره انه مفلس،وبلا مستقبل،وغير قادرعلى الزواج،مثلا،او اكمال تعليمه العالي،وفي حالات،عاجز عن الانفاق على عائلته. هو ذات الشخص الذي تراه اذا غادر البلد،وتم نقله كشجرة من ارض مالحة،الى ارض خصبة،تعود اليه بعد شهور،وقد دبت الحياة في وجهه،سدّد ديونه،انفق على عائلته،برّ والديه،اخذ مساحته المهنية،وجد من ُيقدره،ويدفع ثمن خبرته،بدلا من سرقة خبرته.
الفرق واضح،هنا يدفعون للمرء ربع ما يستحق من اجر،ويبيعونه سيارة بثلاثة اضعاف سعرها،ثم ننتظر نموه وازدهاره الشخصي!.
المنتخب المهزوم،في عمان،لا يختلف عن اي فرد هنا،مهنياً ومالياً واجتماعياً،والمشترك بين المنتخب خارج الاردن،واي واحد فينا خارج الاردن،ذات الفكرة،التحرر من البيئة السلبية،والانطلاق دون مخاوف،فيتبدى الواحد،منتخباً او فرداً،مبدعاً ناجحاً.
كيف للمرء هنا ان يتحرّر من طاقته السلبية،وكل دخله لايأتي معجنه بالخبز،فيغيب عن اخته في العيد ويتوارى ُمحطماً عاجزاً لعدم قدرته على وضع عشرة دنانير في يدها،وهو حال ُيحّطم كينونة وشخصية اي رجل؟!.
في الغرب يبقون خلف الفاشل حتى ينجح،وعند العرب يبقون خلف الناجح حتى يفشل،هذه خلاصة أخرى من خلاصات الموضوع.
كل القصة تتعلق بالبيئة الصعبة التي نعيش فيها،وهي بيئة طاردة للكفاءات وللخبرات،ولم يبق هنا الا غير القادر على المغادرة بحثاً عن حياة جديدة،واولئك الذين لايجدون طريقهم،وبعض الذين لهم مصالح جزئية وهي في طريقها الى الذوبان بالمناسبة،وذاك النفر الذي تكلس واعتاد على التكلس،حتى بات يظنه الاصل،لا الاستثناء.
الاردني كفؤ وصاحب عزم ومحترم،غير انه كشجرة الزيتون نزرعه اليوم في ارض بلا ماء،مالحة،ونسأله الثمر،فيما مرض الشجرة وضعفها وقلة تحصيلها واصفرار اوراقها،يعود فعلياً،الى الملوحة في التربة،لا الى الشجرة،وليس ادل على ذلك من ان نقل ذات الشجرة الى ارض خصبة اخرى،يأتيك بالزيت والزيتون والنور فوقهما،باعتبارها شجرة مباركة.
نفشل هنا ونبدع خارج البلد..عنوان يتبدّى أناء الليل وأطراف النهار!.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة