الأحد 2025-01-19 07:15 ص

لا تربوا أبناءكم على الغش

02:41 ص

لا يمكن السكوت على تلك التجاوزات التي شهدها عدد من مدارس المحافظات لتتكرر كل عام بكل انفلات ، تجاوزات ضد شرف التعليم وأمانة العلم ، فالأهالي يساعدون أولادهم على الغش في امتحان يدركون تماما لو أنهم قاموا بواجب أبوتهم ورجولتهم وأشرفوا على أبنائهم خلال السنوات الماضية وحثوهم على الدراسة ، لما احتاجوا أن يقفوا كالصبيان المشاغبين ليستخدموا مكبرات الصوت لـ « تغشيش « أبنائهم الفاشلين ، والتشويش على الطلاب « الفالحين ، وهذا أول طريق الفساد والغش يعلـّمه الأهل لأبنائهم ، ليستسهلوه غدا في مناصبهم الرسمية والعملية ، ألم يكن أول الرقص حنجلة؟!

أعلم جيدا وتعلمون أنتم أن الدنيا تغيرت وبلادنا تغيرت وأطباعنا تغيرت ، ولكن للأسف بعكس الحضارة التي ندعيها ونلهث خلفها ، لقد تقهقرت أخلاقنا ورجولتنا الى زمن الجهل وقطاعةّ الطريق واللصوصية الفكرية ، ولكن على أجهزة الحكومات الرسمية أن تصدع لواجبها في كبح جماح الفشل الذريع في تربيتنا لهذا الجيل الذي سيكون أغلبية الشعب بعد حين ، بدعم ممنهج من مؤسسات عالية المقام تأتي مساعدتها من الخارج للترويج للحرية الشخصية ، ثم وصلت الى تعديل قانون حماية الأسرة الذي يحوي مواد لا يقبل الله ولا عبد الله بها .
هل ترضون أن تغشكم الحكومات وتزور الإرادة الشعبية ؟! بالطبع لا ، فكيف إذاً تدربون أبناءكم على الغش في حياتهم المستقبلية من خلال امتحانات المدارس ، وكيف وصل هذا الطالب الى مرحلة الثانوية بعد أكثر من عشر سنوات في المدرسة ، ماذا كان يفعل ، هل كان في حظيرة للثيران تتناطح كل يوم ثم فجأة تحول الى مشروع فرحة العائلة ؟! مخز ومعيب ما يرتكبه البعض من دعم أبنائهم كي ينجحوا بأي طريقة حتى لو في الغش .
هذا خطر على مستقبل الوطن والأجيال ، لا بل أن هذا هو الحكم بالفشل على المستقبل في تردي كل نواحي الحياة السياسية والتعليمية والفكرية التي تبنى في الأساس على القيم الرفيعة والأخلاق العالية والتنافس الشريف في نيل المعالي ، ثم في نهاية رحلة الشقاء لأبناء المجتهدين الفقراء يأتي «أبناء الواسطات « فيأخدون حقهم في المقاعد الجامعية وليتهم يفلحون هناك أيضا ، لنجد أن مئة فاشل ينافسون مثابرا صابرا مجتهدا على مقعد علم قد ينفع بعلمه هذه الأمة ، وهذا ما نراه اليوم ، زيادة على تكاثر أعداد زعران الجامعات والفاشلين من أبناء الذوات ، والعنف في الصروح الجامعية .
لم أجد في أي دولة في هذا العالم شرقه وغربه شباب يتسكعون على قوارع الميادين والمولات والمقاهي كما رأيته في عمان والمدن الأردنية ، وهذا دليل على الفشل التربوي الأسري أولا وعلى بداية انهيار في النظام التعليمي الذي تحول هو الآخر الى النمط التجاري من خلال المدارس والجامعات الخاصة ، أو النمط المرعوب في المدارس الحكومية جرّاء سلسلة من الأنظمة التي تعاقب المعلم وترهبه وتسلب منه الدور التربوي بموازاة الدور التعليمي .

يقول آرسطو الفيلسوف : « البشر يحكمون بالخوف لا بالمهابة « ولو قارناه بما يجري اليوم سنجد أن هناك نوعين من البشر أحدهما يخجل ويستحي على نفسه وسمعته على فرض أن التقوى ليست أولوية بالنسبة له ، والآخر يخاف من والده أو حتى أمه ، أو من سوء عاقبة أفعاله ، ولكن أصبحت هناك فئة لا تخاف ولا تخجل ، وكل ما يمكن ارتكابه من أخطاء وجرائم تجد له مبررات وقحة ، لذلك ظهرت علينا طبقة فاسدة غطت على المشهد العام في السنوات الأخيرة ، دفعت كثيرا من الناس الى الاستهتار بالقيم العامة ، التي استسهل الكثير منا تجاوزها ، ما أوصلنا الى مرحلة وقاحة بعض الطلاب وذويهم .
لقد كان كثير من أجدادنا وبعض آبائنا أميّين قراءة وكتابة ، ولكنهم على فقرهم أيضا ، صنعوا مجدا وفخرا لأحفادهم ، ولكننا اليوم رغم التقدم الرهيب في التعليم والدراسة فإن الجاهلية بدأت تعود الى بعض شرائحنا في ظل تمرد وقح على القانون والقيم ، وهذا يحدث لأننا لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن منكر ، والجميع يقول وأنا مالي ؟ .. مالت علينا إن لم نصلح حالنا !


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة