الأحد 2024-12-15 16:58 م

لغة مزرفنة

09:08 ص




تقول ظلال الحكمة البعيدة، أن على القنافذ وحدها، أو على (المتقنفذين)، أن يتقنوا لغة (التقارب الحذر) فيما بينهم، بسبب أشواكهم الواخزة النافرة، فيبقوا بعيدين عن بعضهم، وكأن الواحد منهم محاط بفقاعة تحميه، وتبعده عن الآخرين. أما البشر، فلربما من الواجب، أن يطول تعاطفهم، ويلن تخاطبهم، ليصل مرتفعاً إلى هامة الزرافة. ولغتها الراقية.


كان يعتقد أن الزرافات خرساء صماء، رغم أن لسانها طويل (نصف متر أو أزيد قليلاً)، غير أنها لا تستخدمه إلا في الأكل، وذبِّ الحشرات، وخاصة ذبابة (التسي تسي) عن وجهها ورأسها، وأذنيها الصغيرتين. ولكن العلم الحديث أثبت أن الزرافات الشفيقات، تتواصل فيما بينها، من خلال ذبذبات تحت صوتية. لا يسمعها الجميع.

العالم النفساني (مارشال روسينبيرج) استكشف لنا لغة تخاطبية هامة بينا ولكنها معطلة أحيانا. أطلق عليها (لغة الزرافة)، لأن الزرافة بفضل طول رقبتها ترى أبعد مما يظهر، وقلبها الكبير (أكثر من 10كلغم) يجعلها تتحمل كل الانفعالات والتصرفات الغريبة التي يسببها الآخرون، وهذا ما نحتاجه في هذا الزمان (المُقنفذ) العجيب.

تدعو هذه اللغة الراقية إلى التعاطف، لأن الجميع في النهاية، يستطيعون تحقيق كثير من رغباتهم وحاجاتهم، دون إثارة أية ردود فعل من الآخرين. ومن هذا سنصل إلى حالة إنسانية فريدة، أساسها الصراحة والإحساس بالراحة الداخلية، الأمر الذي يوفير طاقتنا المهدورة في معمعة المشاكل والخلافات والتشاحنات، ويولد لنا مودّة وسعادة ومرح، نستشفها من الزرافات الوديعات، حين يأتلفن معاً.

والجزء الأهم فى هذه اللغة، هو الإصغاء للآخر، لأنه الوسيلة الأنجع لفهمه والتفاعل مع مشاعره وأحاسيسه. فوجودك قرب الآخر بتعاطف حقيقي، يتطلّب منك أن توجه كامل انتباهك إليه، وأن تعطه الوقت فى التعبير الكامل عن احتياجاته، ليشعر أنه مفهوم من قبلك، وأن صوته مسموع، حتى ولو لم يسمعه الآخرون. أي أن نصغي بأُذن زرافة.

نتشابه كثيراً كبشر مع الزرافات، ليس بالقلب الكبير، والأذن الحساسة فقط، بل أن رقابنا تحتوي على نفس العدد من الفقرات في الرقبة. فرقبة الزرافة تتكون 7 فقرات فقط، وهو نفس العدد في رقبة الإنسان، مع فارق كبير، أن قلب الإنسان يستطيع أن يتعاظم ليحتوي العالم ويحبه.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة