عندما كانت تضبطني أمي متلبساً بمصِّ فناجين القهوة، ولعقها، ولحسها، كانت تمسح بأصابعها عن خاتم فمي ذينك الشاربين الزائفين، ثم تنهال علي بالقبلات والضحكات، وتدعو لي أن أكبر، وتطاول همتي السحاب؛ وأن أصير رجلاً بشاربين يقف عليهما الصقر.
فيما أبي كان يلقن لثغتي أبيات الغزل الأولى: (أنا المحبوبة السمراء، وأجلا بالفناجين، وعود الهند لي عطر، وذكري شاع في الصين). وحين كنتُ أرافقه إلى الأعراس، كان يتجاوزني صبّاب القهوة بكل برود؛ فأثور عليه كقط سجين: أنا زلمة الدار، وأشرب مثل الكبار. فيضحك ويمنحني فنجانا بعد اعتذار.
وحين صرت قادراً على حمل الدلة بيدي اليمين، علمني أبي أن لزائرنا ثلاثة من فناجين قهوتنا: الأول للضيف، والثاني للكيف، والأخير للسيف. وحين أكون ضيفاً، ما زال يعجبني ألا أتوقف إلا بعد السيف.
في صباحات الفجر كنت أتسلل مثل خيال طيف لأتكوم مشدوها بحمى جدي المنهمك. أشفق على حباتها الخضراء تتحمص في المحماسة فوق جمر ملتاع، وأشفق عليها أكثر، لما يدقها المهباش بموسيقاه الصارمة الضاربة. لكنها كانت تأسرني كقط ناعس؛ لما يفوح شذاها فوق النار.
الأسودان في اللغة العربية، هما الماء والتمر، أما الأسودان الجديدان لعالمنا، فهما القهوة والنفط. فسيدتي السمراء هي السلعة الثانية، التي يتداولها البشر بعد النفط، وهذا ما يجعلني أتساءل بحزن: ما دام البشر يرتشفون كل هذه القهوة، فلماذا لم تقههم عن الشرور والغرور؟ لماذا لم تجعلهم يسقطون راء الحرب؛ لينعموا بالحب ومزاجه العالي.
من الحبشة واليمن الذي كان سعيداً انطلقت هذه النبتة السماوية إلى أرجاء الدنيا. سميت قهوة؛ لأنها تقهي عن الطعام، أي تجعل شاربها لا يشتهي طعاماً. والاسم قديم في لغتنا، وكان يمنح للخمر العريقة القوية أحيانا.
في هذا اليوم الجميل. دعونا نتذكر ونتعاهد، أنه مهما تزاحمت علينا الأشياء والأعباء، فإننا قادرون على فعل كل شي، ومهما خنقنا الوقت وكبلنا، فما زال في الدقائق متسع، أن نرتشف فنجاناً مع من نحب. وقولوا معي: ألا ليت القهوة تقهينا عن كل قبيح، وتزرعنا في غيم شفيف ومليح. وكل عام ودمنا الثاني بخير وفير.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو