الأحد 2024-12-15 03:36 ص

مؤلف «تيرانجا»: لا أخشى نقمة العسكر على روايتي .. لأنهم لا يقرأون

02:53 م

الوكيل - يستعيد محمد فاضل عبد اللطيف في روايته «تيرانجا» الفائزة بالمركز الثالث مناصفة، بجائزة الشارقة للإبداع العربي، أزمات التعايش بين الأعراق في موريتانيا، والصراعات السياسية التي سبقت وأعقبت فترة الاستقلال.

المؤلف عبد اللطيف هو كاتب وشاعر موريتاني من مواليد مكة المكرمة في السعودية، التي يقيم فيها منذ ولادته. وتعتبر «تيرانجا» تجربته الأولى في مجال الكتابة الروائية، فيما صدرت له سابقا ثلاثة دواوين شعرية: «أبجديات أخرى» 1997، «قواف وأصداء» 2007، «الحالات والمقامات» 2010.
تركز الرواية على نقاط توتر بارزة في التاريخ الاجتماعي الموريتاني مثل أحداث 1966 العرقية والإثنية، بالإضافة لأحداث أبريل (نيسان) 1989 التي عصفت بالعلاقات الدبلوماسية والأخوية بين موريتانيا وجارتها السنغال، أودت بأرواح المئات من الأفارقة والعرب من البلدين.
وكتبت الرواية بلغة سلسة وبأسلوب السهل الممتنع، وهي تتنقل بالقارئ بين منازل الطبقة المتوسطة، والمخافر، والأزقة والميادين، بيد أنها تصدمه بشحنة متعاظمة من العنف الدموي خلال وصفها لأحداث أبريل 1989.
لماذا اختار عبد اللطيف «تيرانجا» عنوانا لروايته؟ يقول في لقاء لنا معه: «إنها مفردة تعني: الضيافة، وهي مستقاة من اللغة (الولفية) وهي لغة رسمية في موريتانيا والسنغال وتتحدثها إثنية وطنية في موريتانيا»، مبينا أن الرواية ومن خلال فصولها تبين الصلة التهكمية بين الكلمة ومصير الجاليتين في كلا البلدين خلال أحداث العنف الدموي.
تتوغل الرواية في مناطق محرمة في التاريخ السياسي القريب لموريتانيا الدولة، وأيضا موريتانيا المجتمع «العربي - الأفريقي»، كما استطاعت رصد جملة تحولات اجتماعية وسيكولوجية شهدتها البلاد ومجتمعها المتعدد الإثنيات منذ انقلاب 1978 الذي أزاح بمؤسس الجمهورية مختار ولد داداه وجاء بحكم العسكر، والذي شكل نقطة تأزم سياسي واجتماعي، وبروز فئات جديدة استطاعت أن تعيد كتابة فصول من تاريخ البلد بالنيابة، وشكلت دمامل لا تزال موريتانيا المجتمع يعاني من تداعياتها. أبطال الرواية شخصيات بسيطة انتقاهم الكاتب من الواقع، فمثلا «السلام» وهو شاب أبيض البشرة انضم حديثا لجهاز الشرطة، وجد نفسه ينخرط بعفوية في مناخ الكراهية الموجهة ضد الأفارقة، و«بوبكر» الممرض الموريتاني الأفريقي الذي يحمل نزقا قوميا وتطرفا ضد العرب ولغتهم، إضافة إلى شخصيات أخرى مثل «محمد الأمين» الشاب الثوري الممسوس و«المساعد سويد ولد بابه» الشرطي الفرانكفوني الصارم الذي يرى أن القمع إحدى وسائل احترام الدولة وسر بقائها.
إسقاطات مؤلف «تيرانجا» جعلت من هذه الشخصيات أمرا مثيرا، فكلما توغلنا في القراءة يتبين جليا حجم الصراع الكبير الذي صنعه المستعمر الفرنسي، وغذته المعالجات الخاطئة للحكومات «العسكرية» المتعاقبة التي ارتدت لباسا مدنيا، حتى تحول أولئك الأشخاص إلى بيادق شديدة الفتك والاعتداد باستقلاليتها الواهية المفعمة بالكراهية وتقديس العنف، كما يظهرون بجلاء المحصلة الفظيعة للقطيعة الاجتماعية والأفكار المسبقة حول الآخر.
تدور أحداث قصة الرواية من حيث المكان في مدينة نواكشوط عاصمة موريتانيا بشكل رئيس، لكنها تحتوي على مشاهد قليلة حدثت في مدينة روصو، وهي مدينة حدودية مع الجارة السنغال، كما تدور أيضا في العاصمة السنغالية داكار ومدينة سان لويس، وتتنقل عبر الأزمنة 2007 رجوعا إلى 1989 ثم تختم الرواية فصولها الـ25 بالعودة إلى عام 2007.
ويقول عبد اللطيف، الذي لم يكن يتخيل نفسه روائيا، أنه لم يكن يخشى أي رد فعل حتى بعد أن لمح أو صرح بأسماء بعينها في المأساة التي تعرضت لها البلاد. وعن الشخصيات السياسية والعسكرية التي وردت أسماؤهم وصفاتهم في الرواية، يقول: «حقيقة لا أعلم إن كانوا قرأوا الرواية أصلا، لكن من الطبيعي أن يشعر المرء بالسوء حين يجسده شخص ما بشكل سلبي في نص أدبي، أنا أتفهم هذا ولكني لا أخشى من العسكر، حكام بلدي سابقا ومستقبلا، أو ممن يرى أن اسمه أو بعض ملامحه وردت في هذه الرواية، لأن أكثرهم ببساطة لا يقرأون، وقد لا أشكل خطرا عليهم على الإطلاق، ومن هذا الباب قد تمر الأمور بشكل طبيعي».
يسرد المؤلف أحداث الحرب كواحد عاشها: «للأسف كنت أحد شهود العيان، وحينها كنت مراهقا قادما من الخارج يجول كل صباح في أزقة وشوارع العاصمة المتربة، بيد أن تلك المشاهدات شكلت صدمة كبيرة لي، أو أني حينها لم أستطع استيعاب أو فهم الكثير من الأسباب، طبعا لم أكن بطلا هرقليا، وأيضا لا أشعر بالذنب لأني لم أشارك في صنع هذه المأساة، ولكنني أشعر بالمسؤولية تجاه الصراع بين كل الأعراق والإثنيات التي تعيش في بلدي، وأحمل هذا الهم، وأرى أن التعايش السلمي بين كل المكونات هو الحل، كما أن المجتمعات التركيبية لديها فرصة رائعة للنمو والتقدم، لأنها مخزون هائل للخبرات والمعارف مختلفة بمختلف الأنماط والأساليب في سبيل حل المشكلات، ولكن للأسف كل هذه المؤهلات قد تتحول إلى سلبيات حين تحترب عقول ونفوس المجتمع الذي أثبت سابقا أن لديه استعدادا فطريا للاحتراب واقتراف ما هو أفظع».


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة