الأحد 2024-12-15 11:27 ص

من حكايات الطفولة

03:44 م

لم أكن – حينها – كبيراً بالقدر الذي يؤهلني لأن أفهم فلسفة الموت..أو ..حتى فلسفة الدم الذي ينزل جرّاء جرح ما ..فالخمس سنوات التي لم أُتمّها كانت تسمع مقولة واحدة من الناس الأكبر منّي ( ولمّا انجرح ؛ نزل دمّو ومصارينو صارن يتلولحن قدّامو ..)..كنتُ أكثر من مرعوب..أخاف أن أُجرح..بل..خايف على مصاريني ..بل..خايف من اللولحة..!!


بالصدفة ..غادرتُ مزرعة ( أبويا )..وبالصدفة لم أبتعد كثيراً ..وبالصدفة ذهبتُ إلى ( البركة ) القريبة من مزرعتنا ..وبالصدفة شلحتُ ( الأواعي ) ..وبالصدفة قرّرتُ عدم السباحة..لأني بصراحة ( أكره السباحة ) ..فأمي دائماً تقول ..وأبويا دائماً يقول ..وعمي دائما يقول ..بل ..كل الناس عندنا دائماً يقولون : لاقي بالسباحة؛ رباحة ..!! وكنتُ أعتقد وأنا ما زلتُ ابن خمس سنوات ؛ أن ( رباحة ) هذه شغلة سيئة للغاية ..ومخيفة ..!! لذا قررتُ عدم السباحة ..حتى ما ألقى رباحة ..!!

وبالصدفة قمتُ لألبس ( الأواعي )..وبالصدفة وقعتُ..وبالصدفة ( شقفة قزازة ) جرحت فخذي جرحاً لا يُذكر ..!! وهنا تتوقف الدنيا..صرختُ بصوت لم يسمعه غيري : مصاريني مصاريني..!! وبسرعة لا أستطيع تكرارها اليوم ؛ وضعتُ يدي على الجرح وضغطتُ بكل قوتي الطفولية..!! كنتُ أعتقد أن مصاريني سوف ( تسحل ) وتخرج من الجرح البسيط إللي بفخذتي..!!

سأسألكم..هل تعتقدون بإنني ( طوّلتُ ) وأنا ضاغط بيدي على الجُرح..؟؟ الحقيقة ..عملية الضغط مرّت بثلاث مراحل حاسمة ..المرحلة الأولى ضغط بقوّة لمدّة تزيد عن النصف ساعة ..كنتُ خلالها لا أريد أن أموت..ولا أريد شيئاً سوى منحي فرصة جديدة للحياة ..!! المرحلة الثانية كانت بعد خدر يدي وتعبها..وهو كيف اسحب يدي بسرعة عن الجرح وكيف بسرعة مرّة ثانية أضع يدي الأخرى مكانها..طبعاً بدون ما أترك أي فرصة ( للمصارين تبعاتي ) بالخروج من الجرح البسيط إللي بفخذتي..؟؟ وتحاملتُ على نفسي..وقرّبتُ اليد التي أريد أن أضعها على الجرح من اليد التي تخدّرتْ..وشوي شوي كتجاذب المغناطيس ..وبلمحة لم أعِها..تمّت عمليّة التبادل..!! لم أصدِّق نفسي ..لقد نجحتْ..!!

أمّا المرحلة الثالثة..فهي الأكثر إيلاماً ..فبعد كثير من عمليات تبادل الأيدي على الجرح كل شويّة..وبعد مرور أكثر من ثلاث ساعات..وبعد أن اقترب النهار على التبدّد..وبعد شعوري بالقرف..وبعد أن تيبّس جسمي كلّه من القعدة..دخلتُ في مرحلة الاستسلام للموت..!! خَلَصْ..يجب أن أرفع يدي هذه المرّة ولا أبدِّلُها بأخرى ..وخلّيني أموت وإللي بدّو يصير يصير..!! نمتُ على ظهري ..أغمضتُ عينيّ..استجمعتُ قواي..ورفعتُ يدي...!! ظلّيت نايم شوية..مدّيت إيدي ع الجرح..لا يوجد أثر للمصارين..وقفتُ بسرعة..تفقدتُ الجرح بعينيّ ؛ لا يوجد حتى جرح..ما الذي حدث ؟؟ لا أعلم..وكيف اختفى الجرح ؟؟ أيضاً لا أعلم..!! وخطفتُ ( أواعيّ ) بسرعة..وأخذتها نطنطة و لولحة لَحَدْ ما وصلتْ دارنا..عفواً ..قصدي خيمتنا في المزرعة..!!

gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة