السبت 2024-12-14 09:48 ص

نعم .. نريده وطنا للجميع

09:31 ص

حسنا، استقالت الحكومة تحت ضغط شعبي عام، رفضا لمشروع قانون معدل لقانون ضريبة الدخل اعتبرته الأغلبية الشعبية الساحقة يمس الطبقتين الفقيرة والمتوسطة ولا يعزز الاستثمار، ويرهق الناس أكثر من الإرهاق الذي خلفته موجات رفع الأسعار المتلاحقة التي حصلت خلال الفترة الماضية.


القصة ليست في استقالة حكومة الرئيس هاني الملقي، ولا في قدوم حكومة جديدة، كما أن القصة ليست في بحث كل فريق وطرف عن مصالحه في هذا التشكيل أو ذاك، وإنما القصة أبعد من ذلك بكثير ولا ترتهن لوجهات نظر تيار محافظ ولا تيار بيروقراطي ولا في بحث تيارات شد عكسي عن مصالحها، وإنما في تكريس فكر إصلاحي جديد أساسه إصلاح حقيقي وليس لفظيا، وعدالة دائمة وليس عدالة بالتقسيط تحضر عندما تكون العدالة تلك ترضي رغبات تيار معين، وتغيب عندما تمس مصالحه.

الحالة الأردنية الراهنة أعمق وأصعب وأشد تعقيدا من مشروع قانون ضريبة دخل، ولها أبعاد زمنية متراكمة، والموضوع أصعب بكثير مما يعتقده البعض، ففيه الكثير من التعقيدات المتراكمة التي خلفتها سياسيات حكومية متواصلة عبر سنين، أوجدت أطرافا كثرا يبحثون عن مصالح ضيقة وشخصية تحت شعار مصلحة الوطن، وفريقا آخر يريد مواصلة بيرقراطية كانوا ينعمون بها تحت السقف عينه، وفريقا ثالثا يرفع سقف شعاراته ومطالبه للحصول على مكاسب شخصية خاصة به.

أمام كل هذا يبرز فريق يريد إصلاحا حقيقيا، يتضمن عدالة اجتماعية ومواطنة ومساواة وسيادة القانون على الجميع من دون استثناء ومحاربة الفساد، ورفض الواسطة والمحسوبية ومنعها ومقاومتها، ومنح السلطة التنفيذية ولايتها العامة غير منقوصة، وبالأثر منع التنمر على الدولة والتطاول عليها أو تهديدها تحت شعارات بعيدة عن فكر الدولة، وعن الدولة المدنية الحديثة.

لا ننكر أننا رأينا خلال سنوات سابقة حالات تنمر على الدولة ومؤسساتها غير مسبوقة، ورأينا مسؤولين سابقين جلسوا في موقع المسؤولية سنينا وسنينا وعند خروجهم من الموقع يتحولون لمعارضين يرفعون سقف المطالبات والشعارات من دون امتلاكهم رؤية سياسية وفكرية واضحة.

لا نريد أن نكون عدميين، سوداويين لا نرى إلا الجزء الفارغ من الكأس، وإنما علينا أن نعرف يقينا أن الدولة في مفهومها العام تعني سيادة القانون في كل مفاصله على الجميع، وأن الأردن للجميع، ولا يوجد فضل لأحد من أبنائه على آخرين إلا بمدى الالتزام بالقانون وفكر الدولة ومؤسساتها، والسعي نحو الإصلاح والمساواة.

يقينا، فإن ذاك يعني أن يتخلى الكثير من أولئك الذين يتحفوننا يوميا بمشاركات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تقطر سما وكراهية وتفرقة وعنصرية وإقليمية عن معتقداتهم تلك، ويؤمنون أن الأردن لنا جميعا وأن الكل شركاء في هذا الوطن الذي نحب، وأن مؤسساته ليست حكرا لطرف دون آخر.

وبالأثر، فإن الإصلاح يعني أيضا تغيير النهج الحالي في التعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية، والبحث عن وسائل أخرى تسهم في إخراج أبناء الوطن الذين تمترسوا عبر أيام ماضية للمطالبة برحيل الحكومة من عنق الزجاجة وتفتح أمامهم آفاقا جديدة مختلفة بعيدا عن وعود أصبح السواد الأعظم لا يصدقها ولا يؤمن بها.

هذا يعني أن تبدأ الحكومات بنفسها قبل أن تطلب من الشعب الصبر عليها، وأن ترشد استهلاكها في المقام الأول، وتحارب الفساد قولا وفعلا وأن تقدم فاسدين للقضاء، فلطالما سمعنا عن فساد من دون رؤية فاسدين خلف القضبان، وأن تبحث عن مخرجات اقتصادية أخرى غير الضرائب وجيب المواطن، وأن تبحث عن تعزيز حرية الرأي والتعبير واحترام الرأي الآخر، وتقوية الأحزاب وتعزيز المشاركة الشعبية، من دون أن تسمح لأحد التدخل في عملها، والأهم من كل ذلك أن تكون السلطة التنفيذية صاحبة ولاية عامة حقيقية بحيث تكون هي وحدها صاحبة القرار الأول والأخير في كل ما تقوم به من إجراءات، ومحاربة فكر الكراهية والتطرف والإقصاء، ورفض الواسطة والمحسوبية.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة